في كشف أثري يعد الأهم منذ العثور على مقبرة توت عنخ آمون قبل أكثر من قرن، نجح علماء الآثار في اكتشاف مقبرة الفرعون تحتمس الثاني، الذي غالبًا ما ظل في ظل شهرة زوجته وأخته غير الشقيقة، الملكة حتشبسوت.
تم العثور على المقبرة في وادي الغرب، وهو مكان مخصص عادة لدفن الملكات وليس الملوك، بالقرب من معبد حتشبسوت الجنائزي في الدير البحري.
وقد أتى هذا الاكتشاف على يد بعثة أثرية مشتركة بين مصر وبريطانيا، ليعيد كتابة جزء مهم من التاريخ المصري القديم.
ورغم أن المقبرة كانت فارغة تمامًا، إلا أن الخبراء يعتبرونها دليلاً حيويًا لفهم تلك الفترة المفصلية من تاريخ مصر القديمة، التي شهدت تحولات كبرى على المستويين السياسي والعسكري.
زوج حتشبسوت
تحتمس الثاني، المعروف أيضًا باسم “عا خبر إن رع”، كان رابع حكام الأسرة الثامنة عشرة في النصف الأول من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وقد تولى الحكم بعد وفاة والده تحتمس الأول، الذي كان أحد أعظم الفراعنة في التاريخ المصري.
تزوج من حتشبسوت، وفقًا للتقاليد الملكية التي هدفت إلى توحيد السلالة وتعزيز شرعية الحكم.
ورغم أن بعض المؤرخين يعتقدون أنه حكم لمدة تفوق عشر سنوات، إلا أن آخرين يرجحون أن حكمه لم يتجاوز ثلاث سنوات، مما يجعله واحدًا من الفراعنة ذوي الحكم القصير.
وقد أنجب من حتشبسوت ابنتهما الوحيدة، نفرو رع، التي كانت مرشحة لخلافة والدتها على العرش.
حملاته العسكرية
واصل تحتمس الثاني السياسة العسكرية لوالده، خاصة في جنوب مصر، حيث تشير النقوش المحفوظة إلى أنه قام بقمع ثورة ضد الحكم المصري في أرض كوش (السودان حاليًا)، وقاد حملة عسكرية أسفرت عن جلب العديد من الأسرى إلى مصر.
لكن مقارنةً بأسلافه وخلفائه، كانت حملاته العسكرية محدودة، مما دفع بعض المؤرخين إلى وصفه بالحاكم الضعيف الذي سيطرت حتشبسوت فعليًا على الحكم خلال حياته.
أما على الصعيد المعماري، فترك تحتمس الثاني آثارًا قليلة، منها بقايا معبد في الكرنك، والذي يظهر فيه إلى جانب حتشبسوت وابنتهما نفرو رع. وتشير الدلائل إلى أن البناء ربما بدأ في عهده، لكن الملكة حتشبسوت هي من أكملته لاحقًا.
طمس ذكراه
لم يكن تحتمس الثاني من الملوك ذوي النفوذ الكبير، لكن اسمه ارتبط بالعديد من المنشآت التي شيدتها حتشبسوت.
ويعود السبب إلى محو اسمه وإحلاله بدلًا من اسمها بعد وفاتها، فيما يعرف تاريخيًا باسم “لعنة محو الذاكرة” أو “Damnatio Memoriae”.
هذه الحملة ضد ذكرى حتشبسوت نفذها تحتمس الثالث، ابن تحتمس الثاني من زوجة أخرى، والذي حكم لاحقًا وأصبح واحدًا من أعظم القادة العسكريين في مصر القديمة، حيث قام خلال سنوات حكمه المتأخرة بإزالة أو تعديل أسماء حتشبسوت من الآثار، لإبراز سلالة الفراعنة الذكور وضمان شرعية حكم خلفائه.
مقبرة غامضة.. هل دفن في مكان آخر؟
رغم العثور على مومياء تحتمس الثاني عام 1881 ضمن “الخبيئة الملكية” في الدير البحري، إلا أن موقع دفنه الأصلي ظل لغزًا حتى الآن، حيث يُعتقد أن مقبرته قد أفرغت في وقت مبكر، ربما بسبب الفيضانات التي اجتاحتها.