ماذا حدث؟
في خطوة مثيرة للجدل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته للاستيلاء على قطاع غزة، وإخلائه بالكامل من سكانه البالغ عددهم قرابة مليوني فلسطيني، وتحويله إلى “أكبر منتجع شاطئي في العالم”.
وقال ترامب بلهجة واثقة: “سنمتلك غزة… سنأخذها وسنحتفظ بها”.
وتبدو هذه الخطة غير واقعية تمامًا من الناحية اللوجستية، فضلًا عن كونها تتعارض مع القوانين الدولية، كما أنها لم تخضع لنقاش أو دراسة داخل مؤسسات الحكومة الأمريكية المسؤولة عن تنفيذها، ما يثير تساؤلات حول دوافع ترامب الحقيقية وراء هذا الطرح المفاجئ.
لماذا هذا مهم؟
وراء هذا المقترح، تكمن استراتيجية ترامبية قديمة تقوم على التهديد بفعل “غير معقول”، فقط لإجبار أطراف أخرى على تقديم تنازلات مقابل التراجع عنه.
المستهدف الحقيقي من خطة ترامب ليس فقط الفلسطينيين، بل الدول العربية الغنية بالنفط، وعلى رأسها السعودية، التي يحاول ترامب الضغط عليها للاعتراف بإسرائيل والانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”.
المنطق الذي يعتمده ترامب بسيط، لكنه مألوف في عالم السياسة والاقتصاد: تهديد الحلفاء بإجراءات كارثية ضد أصدقائهم، ثم تقديم عرض للتراجع عن تلك الإجراءات مقابل تنازلات معينة.
في هذه الحالة، يريد ترامب من دول الخليج تمويل إعادة إعمار غزة، لكنه يدرك أن السعودية لن توافق بسهولة دون مقابل، لذلك يربط الحل بشيء أكثر تعقيدًا: تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
بحسب هذه الاستراتيجية، يمكن تصور حديث ترامب مع القادة الخليجيين كالتالي: “لا تريدون أن أطرد الفلسطينيين من غزة؟ إذًا، ادفعوا لإعادة بنائها وتأكدوا من أن حماس لن تسيطر عليها مجددًا”.
أما للسعودية، فقد يكون الضغط أكثر وضوحًا: “تطبيع العلاقات مع إسرائيل سيجعل الأمور أسهل بكثير”.
بمعنى آخر، ترامب يريد تحقيق هدفين بضربة واحدة: دفع الخليج لتقديم مساعدات مالية، ودفع السعودية على الاعتراف بإسرائيل، متجاوزًا موقفها الثابت الذي يشترط ضمانات حقيقية لقيام دولة فلسطينية.
ماذا بعد؟
من الواضح أن ترامب يراهن على نجاح نفس الأسلوب الذي استُخدم سابقًا مع بعض الدول العربية في 2020، حينما وافقت هذه الدول على التطبيع مع إسرائيل مقابل تخلي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية، لكن هناك مشكلتين أساسيتين تجعل فرص نجاح هذه الخطة في 2025 أقل بكثير مما كانت عليه في 2020.
أولًا، السعودية تقدم نفسها كقائدة للعالمين العربي والإسلامي، ولا يمكنها تقديم الاعتراف بإسرائيل مقابل “وعد فارغ” بعدم تنفيذ خطة لا يُمكن تحقيقها من الأساس.
لطالما شددت الرياض على أن أي علاقة رسمية مع تل أبيب يجب أن تكون مرتبطة بمسار واضح نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وليس مجرد “مقايضة” غير متوازنة.
ثانيًا، الظروف الإقليمية تغيرت بشكل جذري، في 2020، كانت إيران تمثل تهديدًا كبيرًا لدول الخليج، وكان التحالف مع إسرائيل مفيدًا لمعادلة النفوذ الإيراني.
لكن اليوم، وبعد انتكاسات إيران في غزة ولبنان وسوريا، لم تعد الرياض بحاجة ماسة إلى التحالف مع إسرائيل بنفس الدرجة، خصوصًا بعد استئناف علاقاتها مع طهران بوساطة صينية.
كما أن السعودية تعمل حاليًا على تحويل اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وتسعى لجذب الاستثمارات، ما يجعلها تفضل الاستقرار على الدخول في مغامرات دبلوماسية غير محسوبة.
في النهاية، إذا كان ترامب يعتقد أن خطته ستدفع السعودية إلى تغيير موقفها، فمن المرجح أنه يبالغ في تقدير تأثير تهديداته، وتدرك المملكة تمامًا أن تنفيذ مقترح ترامب مستحيل عمليًا، ولن تقدم تنازلات مقابل التخلي عن شيء غير واقعي بالأساس.
وهكذا، يبدو أن رهانات ترامب هذه المرة ستجد نفسها في مواجهة واقع أكثر تعقيدًا مما يتخيله.