كتب- محمد النجار:
مع تصاعد النزاع المسلح في السودان منذ أبريل 2023، اضطر مئات الآلاف من السودانيين إلى مغادرة ديارهم بحثًا عن الأمان في دول الجوار، وكانت ليبيا إحدى الوجهات التي قصدها الكثيرون على أمل العثور على حياة أكثر استقرارًا.
إلا أن هذه الرحلة، التي بدأت كخيار للهروب من أهوال الحرب، انتهت بالنسبة للكثيرين في المعتقلات الليبية، حيث يواجهون أوضاعًا مأساوية تفاقم معاناتهم.
رحلة محفوفة بالمخاطر
يسلك الفارّون من الحرب السودانية طريقًا وعرة عبر الصحراء الكبرى، انطلاقًا من إقليم دارفور والمناطق المتضررة من القتال، في رحلة شاقة نحو مدينة الكفرة الليبية، التي تُعتبر نقطة عبور رئيسية إلى الداخل الليبي.
تُنفذ الرحلة عادة عبر شبكات تهريب منظمة، تستغل ضعف اللاجئين وحاجتهم الماسة للهروب.
وتُعرّض هذه الرحلات اللاجئين لأخطار متعددة، تشمل الجوع والعطش، إضافة إلى مخاطر الاختطاف أو الاستغلال على يد عصابات تهريب البشر.
واقع صعب في ليبيا
بمجرد الوصول إلى ليبيا، يجد اللاجئون أنفسهم في وضع لا يقل قسوة عن الحرب التي فرّوا منها، فالأوضاع الأمنية غير المستقرة والانقسامات السياسية في ليبيا جعلت البلاد بيئة غير آمنة، خاصة للمهاجرين غير الشرعيين.
وفي ظل غياب القوانين التي تضمن حقوق اللاجئين، يقع العديد منهم ضحايا للانتهاكات، سواء على يد الجماعات المسلحة أو حتى السلطات الرسمية.
تشير التقارير إلى أن السلطات الليبية تقوم بحملات اعتقال جماعية ضد المهاجرين، خاصة السودانيين، بحجة تنظيم الوجود الأجنبي في البلاد، وعادةً ما يُحتجز هؤلاء اللاجئون في مراكز اعتقال مكتظة، تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، حيث يتعرضون لمعاملة قاسية، تشمل الإهانات الجسدية والنفسية، إضافة إلى نقص الطعام والمياه والرعاية الصحية.
استغلال واضطهاد
تعتمد العديد من الشركات والمصانع الليبية على العمالة غير النظامية، ومع ذلك، فإن هؤلاء العمال غالبًا ما يعملون في ظروف استغلالية دون حماية قانونية.
يشير ناشطون في مجال حقوق الإنسان إلى أن المهاجرين يُجبرون على القيام بأعمال شاقة مقابل أجور زهيدة، وفي بعض الحالات لا يحصلون على مستحقاتهم المالية إطلاقًا، حيث يتم تهديدهم بالترحيل أو الاعتقال في حال المطالبة بحقوقهم.
وفي السجون، يواجه المحتجزون السودانيون أوضاعًا بالغة الصعوبة، إذ يتم احتجازهم في ظروف غير إنسانية، وأحيانًا يُطلب منهم دفع مبالغ مالية باهظة مقابل الإفراج عنهم.
وتتحدث تقارير عن تعرض البعض للابتزاز من قبل أفراد الأمن أو الميليشيات التي تسيطر على بعض مناطق الاحتجاز.
نداءات للمساعدة
مع استمرار تدفق اللاجئين السودانيين إلى ليبيا، حذرت المنظمات الدولية من تفاقم الأزمة الإنسانية التي يواجهها هؤلاء الفارّون من الحرب.
وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد تجاوز عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا 210 آلاف شخص، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 450 ألفًا بنهاية العام الجاري.
وتطالب المنظمات الإنسانية المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لحماية حقوق اللاجئين وتوفير حلول بديلة لهم، مثل إعادة التوطين في دول أكثر أمانًا.
في ظل هذه الظروف، يجد اللاجئون السودانيون أنفسهم بين مطرقة الحرب في وطنهم وسندان الانتهاكات في ليبيا، دون أفق واضح لإنهاء معاناتهم، فبينما يحلمون بحياة آمنة ومستقرة، يواجهون واقعًا قاسيًا يُلقي بظلاله الثقيلة على مستقبلهم ومستقبل أطفالهم، الذين يكبرون في بيئة تحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.