كتب- محمد النجار:
في كل عام، تتحول مائدة الاحتفال برأس السنة القمرية إلى مشهد فريد يجمع بين الطقوس التقليدية والحماسة العائلية، حيث يجتمع الأفراد حول طبق “التباهي بالازدهار” أو ما يُعرف بـ”يو شينغ” لتقديم تحية للطبيعة واستقبال عام جديد مليء بالأمل والبركات.
المشهد قد يبدو غريبًا لغير المعتادين على هذه العادة، إذ يُجهز طبق كبير يحتوي على شرائح السمك النيء والخضروات المقطعة بدقة، مثل الجزر واللفت والخيار، مع مزيج من المكسرات والصلصات الحلوة والحامضة، ثم يبدأ الاحتفال، حيث يمسك الجميع عيدان الطعام ويبدأون في تقليب المكونات ورميها عاليًا، بينما يرددون عبارات تمنٍّ مثل “الثروة تزدهر!” و”عام جديد سعيد!”.
يُقال إن ارتفاع المكونات أثناء تقليبها يرمز إلى ارتفاع الحظوظ والبركات في العام الجديد، ففي سنغافورة، يشير بول ليو، أحد مالكي مطعم “كينج إنج كي”، إلى أن “الهدف ليس التنافس، بل الاحتفال بروح الوحدة والفرح”.
أصل الجدل: سنغافورة أم ماليزيا؟
رغم انتشار هذا التقليد في جنوب شرق آسيا، يثير أصله نقاشًا حاميًا بين سنغافورة وماليزيا، ففي سنغافورة، يُنسب الفضل إلى أربعة طهاة صينيين في الستينيات، المعروفين بـ”الملوك الأربعة”، في تطوير النسخة الحديثة من هذا الطبق بإضافة سبعة أنواع من الخضروات وصلصة البرقوق والتانجرين.
أما في ماليزيا، فيُقال إن الطبق مستوحى من مطعم “لوك تشينج كي” في الأربعينيات، حيث كان يُقدم مع مزيج من الأسماك والخضروات التقليدية.
ورغم الخلاف على الأصل، يتفق الجميع على أهمية هذا الطبق كجزء من التراث الثقافي والاحتفال الجماعي.
يقول آرون خور، الشيف الماليزي وصاحب مطعم “فيفتي تيلز”، “الاختلاف ليس خلافًا، بل يعكس ثراء ثقافيًا مشتركًا بين الشعبين”.
طقوس تجمع العائلة والأجيال
لا يقتصر هذا التقليد على الاحتفال بالمكونات، بل يُعد رمزًا للوحدة والفرح، فحتى كبار السن، مثل والد بول ليو المعروف بجديته، يشاركون في الطقوس ولو بخجل.
خور يؤكد أن الطقوس تستقطب جميع الأجيال، مضيفًا: “التقليب يجلب الضحكات والذكريات، ويكسر حواجز الجدية بين الأفراد”.
انتشار عالمي
في السنوات الأخيرة، تجاوز هذا التقليد حدود ماليزيا وسنغافورة ليصل إلى مطابخ العالم، حيث يقدم طهاة مثل سوسر لي في تورونتو نسخة حديثة تحتوي على 24 مكونًا.
لكن، كما لكل تقليد جانب مشرق، له أيضًا تحدياته، فيقول بول ليو “أحيانًا نكتشف مكونات ملتصقة بالمروحة أو متناثرة على الأرض، لكن الفوضى تضيف نكهة خاصة للاحتفال”.
ويعد طبق “يو شينغ” رمزًا يحتفل بالأمل والازدهار، مذكّرًا الجميع أن الحظ ليس فقط في الأطباق، بل في اللحظات التي تجمع القلوب حول المائدة.