كتب – ياسين أبو العز
فرضت ظاهرة البلوجرز والإنفلونسرز نفسها بقوة كوظيفة ثابتة لشريحة كبيرة من الناس في الوطن العربي والعالم، بعد تفشي منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة إعلام ناجعة.ورغم أن كثير من صانعي المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي باختلاف منصاته، لا يقدمون محتويات هادفة إلا أنهم نجحوا في تحقيق تفاعلاً كبيراً بين الجماهير، وحققوا من وراء ذلك ثراوت طائلة ما فتح الباب أمام تساؤلاً مشروعاً حول أسباب نجاح ظاهرة المحتويات غير الهادفة عبر منصات مواقع التواصل.ويلجأ صناع المحتوى الجدد المنتشرين في كافة الدول إلى تقديم محتويات تميل إلى الترفيه والاستعراضات والتمثيل، وغياب القيمة الحقيقة لمحتواهم، إلا أنهم استطاعوا تحقيق شهرة واسعة بفضل تفاعلهم اليومي مع جمهورهم.كما أستحدث صناع المحتوى الجدد أشكال جديدة للفيديو الذين يقدمونه مثل “فود بلوجرز” الذين يركزون على تصوير الطعام والمشروبات دون تقديم نصائح أو معلومات مفيدة، فضلاً عن “بلوجرز السفر” الذين يشاركون صورًا للأماكن السياحية دون تقديم معلومات ثقافية أو نصائح عملية. كما ظهرت بقوة “مؤثرو الموضة” الذين يركزون على استعراض الأزياء والمكياج دون تقديم عمق معرفي في صناعة الموضة، وفئة أخرى تتضمن “الترندات والتحديات” دون تقديم محتوى هادف. “بريفلكيس” أستعرض أراء متخصصين في علم النفس والاجتماع، والذين فندوا الأسباب التي دفعت الملايين عبر العالم لهذا اللون من الوظائف، حيث لا يخلو الأمر من نهم تحقيق الربح السريع والشهرة وعوامل اجتماعية أخرى ذات صلة.أستاذ علم الاجتماع بجامعة مصر اليابانية، سعيد صادق يعتقد من خلال تصريحات خاصة لـ”بريفليكس” أن أحد عوامل النجاح السريع لصناع المحتوى حديثاً أسهم فيه أنهم ليسوا نجوم مجتمع بالمعنى التقليدي المعروف وبالتالي وصلوا إلى قلوب الملايين بطريقة أسهل.ولهذا سبب يفسره أستاذ علم الاجتماع أن هؤلاء الأشخاص نجحوا في التواصل من جمهورهم بلغة بسيطة ومباشرة، يتناولون مواضيع حياتية يومية، ويميلون إلى استخدام أسلوب غير رسمي يتماشى مع اهتمامات المتابعين.
إعلام جديد فرض نفسه
ويرى صادق أن السوشيال ميديا هي إعلام الشعوب فهي ليست مملوكة للحكومات أو الأحزاب، بل هي مساحة حرة للناس للتعبير عن أنفسهم ومشاركة تجاربهم وهذا ما يجعل البلوجرز والإنفلونسرز ناجحين، لأنهم يتحدثون بلغة الناس ويدخلون في تفاصيل حياتهم اليومية ونجحت في فرض نفسها على الجميع.وينوه إلى أن أحد الأسباب التي تساهم في انتشار البلوجرز والإنفلونسرز هو المزج بين التسلية والمعلومات. يقدم هؤلاء المؤثرون محتوى يضم نصائح حياتية، تجارب شخصية، وحتى لحظات عفوية من حياتهم اليومية، وهو ما يخلق علاقة وطيدة مع الجمهور فالناس يتابعونهم ليس فقط للمتعة، بل لأنهم يشعرون أن هذا المحتوى جزء من حياتهم اليومية على سبيل المثال، بعض البلوجرز يشاركون تجاربهم في الأحياء الشعبية أو يقدمون نصائح عاطفية تبدو قريبة من الواقع”.
نقص عاطفي أو مادي
ويفسر الدكتور كمال فرويز، أستشاري الطب النفسي في حديثه لـ”بريفليكس”، الظاهرة مؤكداً أنها لها بعدين مختلفين بالنسبة لصناع المحتوى أنفسهم من جهة ومن جهة أخرى بالنسبة للمتلقي.بالنسبة لصناع المحتوى فهم يهدفون تحقيق مكسب عاطفي حيث يلجأ البعض إلى تقديم هذا المحتوى للحصول على الإعجاب والتفاعل، الذي يعوضهم عن مشاعر نقص عاطفي، ويعتبر التفاعل من قبل المترددين على صفحاتهم والتعليقات والإعجابات وسيلة للحصول على القبول الاجتماعي.أما الأمر الأكبر فهو السعي وراء المكاسب المادية وتحقيق الثراء السريع، مهما كان المحتوى جريئاً أو لا يقدم أي جديد يذكر أو حتى محتوي خادش يؤدي إلى ارتفاع المشاهدات، وبالتالي إلى أرباح مالية أكبر.الثقافة والانحدار نحو التفاهةويرى “فرويز” أن انتشار هذا النوع من المحتوى يعكس انحدارًا ثقافيًا، حيث أصبح كثير من الناس يبحثون عن محتوى خفيف وسريع، بعيد عن التفكير العميق أو الجهد الذهني. وأردف الناس اليوم تبحث عن شيء لا يرهق العقل، عن ترفيه سريع يمكن تقليده بسهولة دون عناء.”وأوضح أن هذا النوع من الاستهلاك الثقافي لا يستند إلى هدف أو قيمة حقيقية، بل يهدف فقط إلى تحقيق المتعة المؤقتة، وهو ما يدفع البعض لمتابعة محتوى خادش أو تافه لأنه يوفر لحظات قصيرة من التسلية والضحك قبل النوم، دون أي تأثير عميق.
العلاقة بين المستوى الثقافي والتعليمي
ويؤكد استشاري الطب النفسي أن هناك فارقًا واضحًا بين المستوى التعليمي والمستوى الثقافي للأفراد فالتعليم يمكن الحصول عليه بشهادة، سواء بجهد أو بوسائل أخرى، لكنه لا يعكس بالضرورة مستوى الوعي الثقافي.ويشدد فرويز أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تعزيز الوعي الثقافي وزيادة المحتوى الهادف الذي يمكن أن يقدم ترفيهًا مفيدًا سيما وأن المشكلة ليست في التعليم أو الاقتصاد وحدهما، بل في ضعف الوعي الثقافي والميل نحو التفاهة كوسيلة للترفيه السريع.