كتب – ياسين أبو العز
لطالما ارتبطت الحضارة المصرية القديمة بالغموض والأسرار التي فاقت حدود الزمن. وواحدة من أشهر هذه الأساطير هي “لعنة الفراعنة”، تلك الفكرة التي تقول إن أولئك الذين يجرؤون على انتهاك قبور الفراعنة أو سرقة كنوزهم، سيصابون بحظ سيء، أو في بعض الأحيان، يفقدون حياتهم. أشهر مثال على ذلك هو وفاة اللورد جورج هربرت كارنارفون وفريقه بعد اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، فهل هذه الحوادث مجرد صدفة، أم أن هناك شيء غامض بالفعل وراء هذه الأحداث؟
ما هي “لعنة الفراعنة”؟
تعد “لعنة الفراعنة” واحدة من أبرز الأساطير التي ارتبطت بعالم الآثار والاكتشافات التاريخية في مصر القديمة. وتعكس هذه الأسطورة الاعتقاد بأن الفراعنة، خصوصًا أولئك الذين دفنوا في مقابرهم الملكية مع كنوزهم الثمينة، وضعوا “لعنة” على قبورهم لتجنيبها من أي تدنيس أو سرقة. ويُعتقد أن تلك اللعنة تصيب كل من يجرؤ على دخول المقبرة أو انتهاكها، وكان هذا الاعتقاد مدعومًا بأحداث غريبة نسبت إلى الأشخاص الذين اكتشفوا المقابر الملكية.
ظهور الأسطورة
بدأت “لعنة الفراعنة” تأخذ شهرة واسعة في أوائل القرن العشرين، بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في عام 1922. ومنذ تلك اللحظة، ارتبطت هذه الأسطورة بحوادث موت غامضة وقعت لمجموعة من الأشخاص الذين كانوا على صلة بهذا الاكتشاف.
الحكاية المأساوية.. فتح مقبرة توت عنخ آمون
في 4 نوفمبر 1922، كشف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر النقاب عن مقبرة الملك توت عنخ آمون في وادي الملوك، بمصر. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُعثر فيها على مقبرة ملكية سليمة إلى حد كبير، تحتوي على كنوز ضخمة لا تقدر بثمن. وقد ترافق هذا الاكتشاف مع أحداث غريبة وظروف مقلقة جعلت من هذه الحملة الأثرية واحدة من أكثر الموضوعات إثارة للجدل في تاريخ علم الآثار.
موت اللورد كارنارفون.. أول ضحايا اللعنة
السبب الرئيسي الذي جعل “لعنة الفراعنة” تتصدر عناوين الصحف كان وفاة اللورد جورج هربرت كارنارفون، الممول الرئيسي لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون. وفي 5 أبريل 1923، وبعد بضعة أشهر من فتح المقبرة، توفي كارنارفون فجأة بسبب عدوى ناجمة عن لدغة بعوضة، لكن موت كارنارفون كان بداية سلسلة من الحوادث الغريبة، حيث توفي عدد من أعضاء فريقه الأثري، مما ساعد في نشر الأسطورة بين الناس.ويُقال إن موت كارنارفون كان بسبب “لعنة الفراعنة”، وهو ما اعتبره البعض تفسيرًا لموت غير مبرر لشخصية مهمة في سياق الاكتشاف. وعلى الرغم من أن الأطباء أكدوا أن سبب الوفاة كان العدوى الناجمة عن لدغة بعوضة، إلا أن الإعلام آنذاك ضخم القضية، مما جعل الرأي العام يتجه إلى الربط بين الحادثة و”لعنة الفراعنة”.
ما حقيقة “نقش التحذير”؟
منذ لحظة اكتشاف المقبرة، كانت هناك إشاعات تفيد بأن على جدران المقبرة نقشًا يحذر من الاقتراب من قبر الملك توت عنخ آمون. ويُقال إن النقش كان يحمل تهديدًا لأي شخص يجرؤ على دخول المقبرة، وتوعده بالانتقام، وهو ما ساعد في نشر الأسطورة بشكل أكبر، لكن عند فحص النقش بشكل أكثر دقة، تبين أنه لا يوجد دليل قوي على وجود تحذير من “لعنة” بهذا الشكل.
الترجمات غير الدقيقة
تظهر بعض الترجمات للنقش على جدران المقبرة أنها كانت تحذيرات للأشخاص الذين يتعدون حدود القبر في إطار احترام التقاليد الدينية التي كانت سائدة في تلك الفترة.وكان يشير هذا التحذير إلى تهديد “العقاب الإلهي” لأولئك الذين يتدخلون في عالم الموتى، وهو ما كان يشكل جزءًا من الثقافة الدينية المصرية القديمة.
حوادث غريبة تثير الشكوك.. هل هي صدفة؟
الحديث عن “لعنة الفراعنة” ازداد بعد وفاة العديد من الأشخاص الذين كانوا على صلة باكتشاف المقبرة. ومن بين هؤلاء، كان هناك العديد من الوفيات المفاجئة، بما في ذلك وفاة اثنين من أعضاء فريق كارتر بسبب أمراض غير معروفة، بالإضافة إلى حوادث أخرى غريبة، مما عزز الأسطورة. ومع ذلك، هناك العديد من الأدلة التي تشير إلى أن هذه الحوادث كانت قد تكون مجرد “صدف” مرتبطة بالبيئة المحيطة والتكنولوجيا المحدودة في تلك الفترة.
حالات مرضية غير معروفة
يتفق العديد من الباحثين الآن على أن بعض الوفيات قد تكون ناجمة عن التسمم بالمواد الكيميائية التي كانت تُستخدم في تحنيط المومياوات. وبالإضافة إلى ذلك، كان فريق كارتر قد تعرض لأجواء صحية غير مستقرة بسبب الظروف البيئية في مصر، مما يرفع احتمالية أن تكون الوفيات قد تسببت بسبب أمراض معدية أو إصابات بيئية، مثل الحمى أو التسمم الغذائي.
العلم يرد على الأسطورة
فيما يتعلق بالتحقيقات الحديثة، يرى بعض العلماء أن وفاة أعضاء فريق كارتر ترتبط ببعض الظروف الاجتماعية والطبية. ومن جهة أخرى، هناك رأي آخر يُرجح أن تفسيرات “لعنة الفراعنة” هي نتيجة لردود الفعل النفسية التي كانت ترافق اكتشاف المقبرة. وبعد الضجة الإعلامية التي أثارتها الحوادث، أصبحت فكرة “اللعنة” ملائمة لاحتياجات الجماهير التي تحب القصص الغامضة.
دور الإعلام والخيال الشعبي
العديد من المؤرخين والمحللين يشيرون إلى أن الإعلام البريطاني في تلك الفترة كان له دور كبير في تعزيز الأسطورة، فقد قامت الصحف بنشر مقالات مثيرة عن “لعنة الفراعنة”، مما ساعد في تسريع انتشارها. وعلى مر السنين، أصبح الحديث عن “لعنة الفراعنة” جزءًا من التراث الشعبي، حتى بين الناس الذين لم يتابعوا الاكتشافات الأثرية بشكل مباشر.
بين الأسطورة والعلم
في نهاية المطاف، تبدو “لعنة الفراعنة” مزيجًا من الأسطورة والواقع، حيث تطورت بمرور الوقت لتصبح إحدى أشهر القصص المرتبطة بالحضارة المصرية القديمة. وعلى الرغم من الحوادث التي رافقت اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، إلا أن التفسير العلمي لتلك الحوادث يعود إلى ظروف صحية غير مستقرة وأمراض معدية، أكثر من كونه نتيجة لوجود لعنة حقيقية.وتبقى “لعنة الفراعنة” واحدة من أكثر الأساطير شهرة وإثارة للجدل، ومع استمرار الاهتمام العالمي بالحضارة المصرية، من المؤكد أنها ستظل جزءًا من القصص التي تشد الانتباه وتثير الفضول في كل الأوقات.