كتب- محمد النجار:
شهدت الأزمات العالمية تصاعدًا ملحوظًا في أواخر عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، مما وضع العالم أمام تحديات جديدة وخلق ديناميكيات سياسية معقدة.
من أبرز هذه الأزمات، التصعيد التسليحي مع روسيا وما تبعه من إعلان موسكو تفعيل خطتها الدفاعية النووية، إلى جانب انتهاء الحرب في لبنان وتصاعد التوترات في سوريا، وأخيرًا الحرب في غزة.
يثير هذا الوضع تساؤلات حول كيفية تأثير هذه الأزمات على السياسة الأمريكية خاصة مع اقتراب عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض.
التصعيد التسليحي مع روسيا
في ظل الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، اتخذ بايدن قرارات حاسمة ومثيرة للجدل مثل السماح باستخدام صواريخ بعيدة المدى داخل العمق الروسي وتزويد كييف بالألغام الأرضية المضادة للأفراد.
وفقًا لتقرير واشنطن بوست، جاءت هذه القرارات استجابةً لتزايد المخاطر، مثل مشاركة كوريا الشمالية بنحو 10 آلاف جندي لدعم روسيا والخسائر المتزايدة في صفوف الجيش الأوكراني.
معسكر ترامب يعتبرها مؤامرة
حقق ترامب فوزا ساحقا في الانتخابات التي جرت في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، ومن المقرر أن يعود إلى البيت الأبيض لولاية ثانية اعتبارا من 20 يناير/كانون الثاني من العام المقبل.
وقد تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بإنهاء مشاركة الولايات المتحدة في الحروب واستخدام أموال دافعي الضرائب بدلاً من ذلك لتحسين حياة الأميركيين، وقال إنه سينهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا خلال 24 ساعة، دون أن يوضح كيف.
لكن هناك أمر واحد مؤكد: ترامب كان يرى نفسه دائمًا كصانع صفقات ولن يرغب في أن يحصل بايدن على أي قدر من هذا الفضل.
لذلك كان ابنه دونالد ترامب جونيور، من بين أوائل الجمهوريين الذين ردوا على تحركات بايدن، ووقال “يبدو أن المجمع الصناعي العسكري يريد التأكد من بدء الحرب العالمية الثالثة قبل أن تتاح لوالدي فرصة خلق السلام وإنقاذ الأرواح”.
وأدانت عضو الكونجرس مارغوري تايلور جرين، وهي مؤيدة صريحة لترامب، بايدن أيضًا قائلة: “لقد أعطى الشعب الأمريكي تفويضًا في الخامس من نوفمبر ضد هذه القرارات الأمريكية الأخيرة ولا يريد تمويل أو خوض حروب أجنبية. نريد إصلاح مشاكلنا الخاصة”، كتبت على X.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن عددا كبيرا من الجمهوريين يريدون وقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا، حيث قال 62% في استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث إن الولايات المتحدة ليس لديها أي مسؤولية في دعم البلاد ضد روسيا.
تحركات تحد من قدرة ترامب
ترى صحيفة النيوزويك أن ولن يرحب ترامب بأي إجراء تتخذه إدارة بايدن من شأنه أن يحد من حرية واشنطن في المناورة، فهو يقدر عدم القدرة على التنبؤ والقوة والنفوذ باعتبارها سمات أساسية للحصول على صفقات جيدة على طاولة المفاوضات، ومن الممكن أن تؤدي القرارات الأخيرة التي اتخذها بايدن بشأن أوكرانيا إلى حصر ترامب في خانة واحدة.
وأضافت الصحفية أن البعض يرى أن مثل هذه التحركات تجرد ترامب من قدرته على التصرف، وكأنه عالق في تنفيذ سياسة لا يتفق معها شخصيا.
بايدن قدم هدية لترامب
وفي تحليل للمجلس الأطلسي، يرى فريدريك كيمبي رئيس المجلس أنه من خلال تقديم الدعم العسكري المتزايد لأوكرانيا، بما في ذلك السماح لها باستخدام صواريخ أمريكية بعيدة المدى، والامتثال في تزويدها بألغام مضادة للأفراد، سعى الرئيس جو بايدن إلى تعزيز موقف أوكرانيا، وهو ما ينعكس إيجابيًا على الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
واعتبر كيمبي أن هذا الدعم، الذي شمل أيضًا فرض عقوبات جديدة على جازبروم بنك لتقويض الصادرات الروسية، يقدم لترامب نفوذًا ثمينًا مع بداية ولايته، حيث يُعتبر خطوة استراتيجية ضمن سياسة “إفراغ برميل” بايدن لتقوية أوكرانيا قبيل مغادرته.
في الفترة الأخيرة، عملت إدارة بايدن على تسريع تقديم المساعدات لأوكرانيا، بما في ذلك دعم الطاقات المتجددة والبنية التحتية المتضررة من الهجمات الروسية. ورغم التحديات، مثل تغيير الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لعقيدته بشأن الاستخدام النووي، إلا أن بايدن اختار الاستمرار في دعم أوكرانيا بما يعزز موقفها التفاوضي، لاسيما مع إشارات بوتن المتكررة بتقليص عتبة استخدام الأسلحة النووية.
ومن الناحية العسكرية، لم تتوقف روسيا عن الضغط على أوكرانيا من خلال الهجمات المدمرة على البنية التحتية للطاقة، وهو ما يعكس تصاعد التوترات والتحديات التي تواجهها إدارة بايدن.
واعتبر المجلس الأطلسي أنه وبالنسبة لترامب، الذي صرح سابقًا بأنه قادر على إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة، فإن دوره سيشمل الدخول في مفاوضات قد تكون حاسمة، ولكن مع ضرورة تفادي الصفقة التي قد تُظهر ضعفًا في مواجهته لبوتن، الأمر الذي قد يعزز من سلوك روسيا العدائي.
ومع استمرار الحرب والتوترات الدولية، تبرز الحاجة إلى أن تكون أوكرانيا في موقع قوي قبل أي مفاوضات، ويتفق العديد من الخبراء، مثل الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، على ضرورة ضمان أمن أوكرانيا من خلال اتفاقات معقولة تشمل المنطقة المنزوعة السلاح وضمانات دولية غير مرتبطة بالعضوية في الناتو.
واخاتتم المجلس الأطلسي تحليله بأن نجاح ترامب في استخدام الدعم الأمريكي الحالي سيعزز موقفه، ويمنع استغلال بوتن لفرص الضعف، مما يحسن من فرص الوصول إلى اتفاق يحقق السلام ويثبت قوة الولايات المتحدة.