كتب – ياسين أبو العز
في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت وسائل التواصل الرقمي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ومع تطور هذه الوسائل، ظهرت أدوات وتقنيات قادرة على اختراق حدود الخصوصية والأمان بشكل غير مسبوق. ومن بين هذه الأدوات المثير للجدل، يبرز برنامج “بيغاسوس” (Pegasus)، الذي يُعتبر من أخطر أدوات التجسس الحديثة في العالم، وتعود جذوره إلى شركة “NSO Group” الإسرائيلية. وقد يبدو الحديث عن التجسس حكراً على الأفلام السينمائية، ولكن بيغاسوس قد حول هذا الأمر إلى واقع حيّ، حيث أصبح وسيلة متقدمة للغاية لرصد الهواتف المحمولة واختراق البيانات الشخصية بشكل غير قانوني.
ما هو بيغاسوس؟
“بيغاسوس” هو برنامج تجسس طوّرته شركة “NSO Group” الإسرائيلية، ويُستخدم لاختراق الهواتف الذكية بشكل خفي، دون علم المستخدم. يعمل بيغاسوس عبر استغلال ثغرات أمنية في أنظمة التشغيل مثل “iOS” و”Android”، ما يُمكنه من الوصول إلى بيانات حساسة على الجهاز المستهدف، بما في ذلك المكالمات الهاتفية، الرسائل النصية، الصور، والمعلومات الجغرافية، بالإضافة إلى تمكين الجهة المتجسسة من التنصت على المكالمات والتسجيلات الصوتية.وتم تصميم البرنامج ليعمل بشكل سري تماماً، بحيث لا يظهر على الشاشة أو يترك أي آثار على الجهاز المخترق. ما يجعل من بيغاسوس أداة فعّالة في التجسس على الأفراد والمنظمات والحكومات حول العالم.
كيفية عمل بيغاسوس
يقوم بيغاسوس باستخدام تقنيات متطورة لاختراق الأجهزة المحمولة عن طريق ما يُعرف بالثغرات الأمنية أو “zero-day vulnerabilities”. وهذه الثغرات هي أخطاء برمجية في النظام التي لم يُكتشفها بعد مطورو البرنامج أو الشركات المالكة له.وفي العديد من الحالات، يتم إرسال رابط مشبوه إلى الهدف عبر رسالة نصية أو بريد إلكتروني، وعندما يقوم الشخص المستهدف بالنقر عليه، يتم تحميل البرنامج بشكل غير مرئي إلى جهازه، مما يتيح للقراصنة الوصول إلى جميع البيانات المخزنة عليه. وفي حالات أخرى، قد لا يحتاج القراصنة حتى إلى أي تفاعل من الضحية، حيث يمكنهم اختراق الهاتف عن بُعد دون الحاجة إلى النقر على أي رابط.
الاستخدامات الحكومية والتجارية لبيغاسوس
على الرغم من أن “NSO Group” تدعي أن برنامج بيغاسوس يُستخدم فقط من قبل الحكومات من أجل محاربة الإرهاب والجريمة، إلا أن تقارير صحفية وتحقيقات كشفية تكشف عن استخدامات مشبوهة لهذا البرنامج في تجسس حكومي على نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والسياسيين المعارضين.وتشير التحقيقات إلى أن العديد من الحكومات حول العالم قد استخدمت بيغاسوس للتجسس على أهداف مدنية بحتة، بما في ذلك قادة المعارضة والصحفيين الذين يكتبون تقارير ناقدة حول الأنظمة السياسية. بل إن بعض التقارير تفيد بأن بعض الأنظمة استهدفت معارضين سياسيين وأفراداً من داخل عائلاتهم.وفي عام 2021، نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) تحقيقًا كشفت فيه أن بيغاسوس كان قد تم استخدامه للتجسس على مئات الصحفيين في دول مختلفة، مما أدى إلى موجة من الانتقادات العالمية لهذا البرنامج الذي تحول إلى أداة رقابة وتضييق على الحريات.
فضيحة “بيغاسوس” وأبعادها الدولية
في عام 2021، شهد العالم أكبر فضيحة متعلقة ببرنامج بيغاسوس بعد الكشف عن استخدامه من قبل حكومات متعددة ضد صحفيين ونشطاء حقوق الإنسان ورجال سياسة. ما عرف بـ”فضيحة بيغاسوس” كان بمثابة زلزال في مجال الخصوصية الرقمية، حيث تم تسريب قائمة تحتوي على أرقام هواتف العديد من الشخصيات العالمية التي تم استهدافها بالبرنامج.وعند التحقيق في البيانات المسربة، تم العثور على أرقام هواتف تعود إلى شخصيات بارزة مثل الصحفيين المعارضين، الحقوقيين، وزعماء المعارضة في بلدان متعددة.وأثارت هذه التسريبات قلقاً كبيراً حول سياسات المراقبة الحكومية في العالم، وفتح نقاشًا واسعًا حول كيفية تنظيم استخدام التكنولوجيا الحديثة في مجال التجسس على الأفراد.
الشركات والحكومات.. من المستفيد؟
الجدير بالذكر أن “NSO Group” تتبنى سياسة سرية بشأن عملائها وبلدانهم. ومع ذلك، فقد تبين أن الحكومة الإسرائيلية هي إحدى الجهات التي يمكن أن تكون على علم باستخدامات بيغاسوس، حيث يُعتقد أن البرنامج يتطلب موافقة حكومية لإتمام بيعه إلى دول أخرى.وفي الوقت نفسه، كانت هناك تكهنات حول استفادة بعض الحكومات والشركات الكبرى من بيغاسوس لأغراض تجارية أو سياسية، سواء كانت بهدف جمع معلومات تجارية حساسة أو لإحكام السيطرة على المعارضين السياسيين في سياق غير قانوني.
تداعيات قانونية وأخلاقية
الانتقادات القانونية والأخلاقية لبرنامج بيغاسوس تكمن في استخدامه لانتهاك الخصوصية الفردية، مما يعرض الأفراد والمنظمات لمخاطر جسيمة. وهناك العديد من القضايا المرفوعة ضد “NSO Group” في محاكم عالمية، من بينها دعوى قضائية رفعتها شركة “واتساب” ضد الشركة الإسرائيلية في عام 2019 بسبب استهداف عدد من مستخدميها بالبرنامج.علاوة على ذلك، تثير هذه القضية تساؤلات جدية حول مسؤولية الشركات التكنولوجية في حماية مستخدميها من تهديدات كهذه، وضرورة فرض قوانين دولية صارمة تمنع استخدام مثل هذه الأدوات لأغراض سياسية أو تجارية.
تأثير بيغاسوس على الحياة الرقمية
يُعتبر بيغاسوس أداة متطورة تثير قلقاً عالمياً حول خصوصية الأفراد وحمايتهم في عصر تكنولوجيا المعلومات. ومع تزايد استخدام هذا النوع من البرامج، فإن الأفراد أصبحوا أكثر عرضة لانتهاك خصوصياتهم الرقمية، سواء على المستوى الشخصي أو المهني.وتسلط هذه الظاهرة الضوء على الحاجة الملحة لتطوير سياسات وطرق حماية متقدمة لمستخدمي التكنولوجيا.