على مدار سنوات، تجاهل ستيف يونج، مغني الراب البريطاني ذو الـ52 عامًا، نتوءًا صغيرًا على رأسه، لكنه لم يكن مجرد نتوءًا عاديًا.
بمرور الوقت، ازداد حجم النتوء ليكشف عن حقيقة صادمة: ورم ميلاني سرطاني، مصنف ضمن الحجم “T4″، وهو تصنيف يعكس حجمًا كبيرًا وخطيرًا.
وبينما كان ستيف يستعد لمواجهة المرض، كانت بريطانيا تدخل مرحلة جديدة ومثيرة من الطب التجريبي: أول لقاح من نوعه لعلاج سرطان الجلد باستخدام تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA).
الرحلة إلى التشخيص والعلاج
في أغسطس 2023، خضع يونج لعملية جراحية لإزالة الورم من فروة رأسه، تبعها سلسلة من الفحوصات للتأكد من خلو جسده من انتشار السرطان، وكانت المفاجأة أن السرطان لم ينتشر، لكن احتمالية عودته ظلت مرتفعة.
في هذا الوقت العصيب، عرض عليه الأطباء المشاركة في تجربة سريرية للقاح جديد يهدف إلى منع عودة المرض.
“كنت أعلم أنني محظوظ”، هكذا وصف يونج شعوره عندما حصل على الجرعة الأولى في أبريل 2024، فالتجربة لم تكن سهلة، فقد تضمنت تسع جرعات تُعطى كل ثلاثة أسابيع، ترافقها آثار جانبية شديدة شملت الحمى، وآلام العضلات، وتورم الذراع.
ومع ذلك، كان الأطباء متفائلين، معتبرين أن رد فعل جهازه المناعي القوي يشير إلى نجاح اللقاح.
لقاحات السرطان.. أمل جديد للبشرية
لقاحات السرطان مثل تلك التي تلقاها ستيف تمثل قفزة نوعية في العلاج المناعي، حيث تعتمد هذه التقنية على الحمض النووي الريبوزي المرسال لتدريب الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها قبل أن تنتشر.
تختلف هذه اللقاحات عن غيرها بأنها مصممة خصيصًا لكل مريض، بناءً على حمضه النووي، ما يجعل العملية معقدة وتستغرق شهورًا لتحضير جرعة واحدة.
في بريطانيا، تمضي الأبحاث قدمًا في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، وهي خطوة حاسمة لتحقيق الأمان والفعالية على نطاق أوسع.
بالمثل، طورت روسيا لقاحًا مشابهًا أعلنت عنه مؤخرًا، بينما تعمل الولايات المتحدة على لقاح يستهدف أكثر من 20 مليون مريض حول العالم.
ويتطلع العلماء إلى مستقبل يمكن فيه تصميم لقاحات لكل شخص معرض لخطر الإصابة بالسرطان، بناءً على تاريخه العائلي أو جيناته.
بين الخوف والأمل
بالنسبة ليونج، كانت اللحظة التي حصل فيها على الجرعة الأولى مزيجًا من الحماس والخوف، لم يكن يعلم أنه أول شخص يحصل على هذا اللقاح.
بعد أيام من تلقي اللقاح أصبحت قصة يونج محور اهتمام عالمي، ليس بسبب شهرته كمغني راب، ولكن كأول شخص يخوض هذه التجربة التاريخية.
تغيرت حياة يونج جذريًا بعد التجربة، وبفضل الأمل الذي منحه له اللقاح، عاد لتسجيل الأغاني والعمل بنشاط أكبر.
تغيير قواعد اللعبة
يرى يونج أن هذا اللقاح قد يكون نقطة تحول في علاج السرطان، فللمرة الأولى، يمكننا الوقاية من السرطان، وليس فقط علاجه، فإذا أثبتت التجربة نجاحها، فقد يعني ذلك تقليل المخاطر التي تواجه ملايين المرضى حول العالم.
لكن السؤال الكبير الذي يطرحه يونج يبقى بلا إجابة: “كيف سنعرف أن اللقاح هو السبب في بقائنا على قيد الحياة؟” يجيب بنفسه: “إذا عشت حتى التسعين ولم يعد السرطان إليّ، فقد يكون السبب اللقاح، أو جهاز المناعة، أو حتى القدر، لن نعرف أبدًا، لكن ما أعرفه الآن هو أنني خالٍ من السرطان”.