كتب- محمد النجار:
مانسا موسى، الملك الأسطوري لإمبراطورية مالي في القرن الرابع عشر، ليس مجرد اسم عابر في كتب التاريخ، بل هو رمز للثراء الأسطوري الذي لم يسبق له مثيل.
هذا الحاكم، الذي تولى العرش في ظروف غامضة، ترك بصماته العميقة على العالم الإسلامي والإفريقي وحتى الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من قلة المصادر التاريخية الموثوقة التي تتناول حياته، فإن رحلة حجّه إلى مكة، وأعماله التنموية، وثروته الطائلة جعلته شخصية لا تُنسى.
توليه العرش
لم تكن عملية تولي العرش في مالي تعتمد على الوراثة المباشرة، بل كانت تعتمد على صراعات معقدة بين أفراد الأسرة الحاكمة.
وفقًا لروايات المؤرخ العربي الشهير العمري، فإن مانسا موسى ورث العرش عن سلفه الذي يُعتقد أنه مانسا أبو بكر الثاني، الذي انطلق في رحلة استكشافية عبر المحيط الأطلسي ولم يعد أبدًا.
ورغم غياب دليل قاطع على هذه القصة، فإن فكرة وصول ملك إفريقي إلى الأمريكتين قبل كولومبوس أثارت اهتمام الباحثين لعقود.
إمبراطورية تمتد عبر القارات
حكم مانسا موسى واحدة من أكبر الإمبراطوريات في ذلك العصر، حيث امتدت مالي إلى مناطق شاسعة تشمل غرب إفريقيا الحديثة وساحلها الأطلسي.
وقد تضاعفت مساحة الإمبراطورية خلال فترة حكمه نتيجة لفتح مدن استراتيجية مثل غاو وتمبكتو.
ذه المدن لم تكن مجرد أراضٍ جديدة، بل كانت مراكز للثروة بسبب مناجم الذهب والنحاس والملح التي أضافت إلى خزائن الإمبراطورية ثروات هائلة.
رحلة الحج.. ملحمة تاريخية
أبرز حدث في حياة مانسا موسى كان رحلته إلى مكة عام 1324.
هذه الرحلة، التي استغرقت ما يقرب من أربع سنوات، كانت أكثر من مجرد أداء لفريضة دينية؛ كانت استعراضًا مذهلًا للثراء والقوة.
انطلقت قافلة موسى بـ60 ألف رجل، كل واحد منهم يرتدي أجود أنواع الحرير، وحمل المئات منهم كميات هائلة من الذهب.
في القاهرة، أثارت القافلة إعجاب الجميع، لكنها تسببت أيضًا في أزمة اقتصادية طويلة الأمد، حيث أدى إنفاق موسى السخي إلى انخفاض قيمة الذهب في مصر لمدة 12 عامًا.
أثره في نشر الإسلام
كان مانسا موسى مسلمًا متدينًا، ولم يكن إسلامه مجرد التزام شخصي، بل كان أداة لنشر الدين والثقافة الإسلامية في غرب إفريقيا.
تحت حكمه، أصبحت تمبكتو مركزًا للعلم والثقافة الإسلامية، حيث أسس مدارس قرآنية ومساجد عديدة، أبرزها مسجد جينجريبر الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم.
كما جلب إلى مالي كبار العلماء والشعراء مثل أبو إسحاق السهيلي، الذي صمم بعضًا من أروع المباني الإسلامية في المنطقة.
النساء في حياة مانسا موسى
بينما يركز التاريخ على إنجازاته السياسية والدينية، فإن النساء في حياة مانسا موسى لعبن دورًا مهمًا، على الرغم من قلة المعلومات عنهن.
تشير بعض الروايات إلى أن موسى تأثر بالقواعد الإسلامية التي تنظم العلاقات بين الرجل والمرأة، مما دفعه إلى تعديل سلوكه الشخصي بما يتوافق مع تعاليم الدين.
إرث لا ينسى
بعد وفاة مانسا موسى في منتصف القرن الرابع عشر، استمرت قصص ثروته وتأثيره تنتقل من جيل إلى آخر.
خرائط أوروبية تعود إلى القرن الخامس عشر رسمت غرب إفريقيا كأرض للذهب، حيث ظهر مانسا موسى ممسكًا بقطعة ذهبية كرمز للثروة الأفريقية.
ولكن هذا الاهتمام الأوروبي أدى لاحقًا إلى عواقب كارثية، حيث أصبحت القارة هدفًا للاستعمار والاستغلال.