تأتي الحملة الممنهجة الجارية حاليًا ضد دولة الإمارات العربية المتحدة في سياق حرب السودان ليست مجرد محاولة لـ “إنصاف الحقائق”، بل هي هجمة مدفوعة بشكل أساسي من قِبل “قوى ظلامية” وعلى رأسها تيار الإخوان المسلمون.
تكمن عداوة هذه القوى للإمارات في كونها تمثل نقيضًا لأيديولوجيتهم، فهي نموذج للازدهار والأمان والتعددية، وتعتبر خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف.
ويُلاحظ أن المنتقدين يتذرعون بانتهاكات حقوق الإنسان في الفاشر لإدانة الإمارات، في حين أن الجهات التي تتبنى هذه الحملة هي نفسها المتورطة تاريخيًا في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور وجنوب السودان وغيرها، بشهادة المحكمة الجنائية الدولية.
التضليل أداة في الحرب الإعلامية
بعد دخول الدعم السريع للفاشر، انتشار المحتوى الكاذب والمُضلّل والمُولّد بالذكاء الاصطناعي على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيما يخص الحرب السودانية، فانتقلت الحرب تدور لنطاق وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم نشر المعلومات المضللة بأشكالها الأكثر وحشية.
أمثلة على التضليل المكتشف:
– فيديو الأم والأطفال: انتشر مقطع فيديو بشكل واسع يزعم أنه يظهر “قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات ترهب أمًا وأطفالها في السودان”، لكن هذا الادعاء خطأ، حيث تبين أن الفيديو نُشر قبل شهر من سقوط الفاشر، وأن الحوار المسموع فيه، وفقًا لخبراء اللغات المحلية، يوحي بأن الرجال هم عناصر من القوات المسلحة السودانية وليسوا من قوات الدعم السريع، ولا يبدو أنهم يهددون الأم بل يستجوبونها.
– المحتوى المُولّد بالذكاء الاصطناعي: كما انتشر مقطع فيديو يصور امرأة وطفلاً يختبئان في خندق صحراوي، زُعم أنه يوثق فظائع، ولكن، ثبت أن المقطع مُزيف بالكامل وتم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI)، حتى أن المنشئ الأصلي وضع ملاحظة صريحة بذلك رغم استخدامه من قِبل مؤثرين دوليين لنشر الرواية.
– صور المقابر الجماعية: أثبتت أدلة الخرائط الرقمية وخرائط جوجل أن صور المقابر الجماعية المتداولة حول الفاشر هي صور قديمة وتعود إلى 27 مارس 2022، أي قبل دخول قوات الدعم السريع للمدينة، مما يوضح حجم التلاعب بالتسلسل الزمني للأحداث.
تجاهل الفاعل الأصلي ومصنع الميليشيات
إن محاولة تحميل الإمارات وحدها وزر حروب السودان تهدف إلى إعفاء جهات أخرى من المسؤولية الأساسية، فحروب السودان بدأت عام 1955، قبل تأسيس دولة الإمارات، والسبب الرئيسي داخلي يتعلق بقمع التعددية.
كما أن المسؤولية الأساسية تقع على “جيش الإخوان” الذي أسس قوات الدعم السريع ودربها وسلحها، على حد اعتراف قائد الجيش (البرهان) بأن هذه القوات “خرجت من رحم جيشه”.
ويشار إلى أن الذين يدينون انتهاكات الدعم السريع يتغاضون عن انتهاكات جيش وميليشيات الحركة الإسلامية، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي والتلذذ العلني بـ “أكل الأكباد البشرية”، وعن رفضهم المتكرر لكل مبادرات السلام.
تغطية على التدخلات الأكثر إجرامًا
يُتهم خطاب “إنصاف الحقائق” بالتركيز على الإمارات للتغطية على تدخلات خارجية أخرى “خبيثة وأكثر تورطًا وإجرامًا”، وتحديدًا تدخلات إيران، وتركيا.
وفي المقابل، فإن الإمارات استقبلت مئات الآلاف من السودانيين ومنحتهم إقامات وإعانات، ودفعت 4 مليارات دولار كمساعدات للشعب السوداني في العشر سنوات الأخيرة، بينما اشترط آخرون على اللاجئين دفع مبالغ طائلة للدخول.
الخلاصة:
إن الهجوم الإعلامي على دولة الإمارات في سياق حرب السودان يتجاوز كونه مطالبة بالعدالة ليتحول إلى حملة تضليل تستخدم الانتهاكات الحقيقية كستار لأجندة سياسية وأيديولوجية.
ويؤكد هذا المشهد أن الحرب السودانية تُدار على جبهتين: قتال على الأرض وصراع شرس على منصات التواصل الاجتماعي حيث تتفشى المعلومات المضللة والمحتوى المُولّد بالذكاء الاصطناعي لتشويه الحقائق وتوجيه الاتهامات.