من يرعى تجارة المخدرات في العراق؟

ماذا حدث؟

يشهد العراق اليوم أزمة متفاقمة مع تصاعد خطر المخدرات، بعدما تجاوزت الظاهرة حدود الاستهلاك المحلي إلى دخولها صلب الاقتصاد غير المشروع في البلاد، وسط اتهامات مباشرة لبعض القوى السياسية بالتورط في عمليات التصنيع والتهريب والتوزيع.

وزارة الداخلية العراقية أعلنت في بيانات رسمية أنها تمكنت، خلال العام المنصرم، من توقيف المئات من تجار المخدرات المحليين والدوليين، إلى جانب مصادرة كميات ضخمة تقدر بأطنان من المواد المخدرة، وإغلاق عدد من مصانع الإنتاج السرية.

ومع ذلك، يرى مراقبون أن العراق لم يعد مجرد ساحة لعبور المخدرات أو سوق استهلاك، بل أصبح أحد المنتجين والمصدرين لهذه السموم.

من جهته، أطلق زعيم التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، تصريحات نارية منتصف فبراير الماضي، اتهم فيها أطرافًا حكومية وغير حكومية بالضلوع في تنامي تجارة المخدرات داخل العراق.

بينما كشف النائب رائد المالكي، عضو لجنة مكافحة المخدرات النيابية، عن أن تجارة المخدرات باتت جزءًا لا يتجزأ من منظومة الفساد المالي والإداري التي تنخر مؤسسات الدولة.

أما الأكاديمي سيف الخفاجي، فقد أكد أن هذه التجارة تحقق أرباحاً ضخمة تُستغل في تمويل مشاريع سياسية مشبوهة، مما يعمّق العلاقة بين شبكات تهريب المخدرات والمال السياسي في العراق.

لماذا هذا مهم؟

ظاهرة تفشي المخدرات في العراق لم تعد مجرد تهديد للصحة العامة، بل تحولت إلى أزمة بنيوية تهدد المجتمع والأمن القومي العراقي برمّته.

مع تصاعد معدلات الجرائم المرتبطة بتعاطي المخدرات، كالقتل والسرقات وجرائم “زنا المحارم”، أصبحت الكارثة ماثلة أمام العيان، حيث تشهد البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في حالات تفكك الأسر، وازدياد أعداد المدمنين، لاسيما في مناطق الجنوب والوسط.

الخفاجي حذّر من أن خطر المخدرات بات التهديد الأمني الأكبر الذي يوازي خطر الإرهاب، قائلاً إن “العائلة العراقية اليوم مهددة بالانهيار، في ظل تفشي هذه الآفة المدمرة”، مطالباً بحملات توعية وطنية واسعة النطاق في المدارس والجامعات لدرء هذا الخطر.

في المقابل، تتفاخر وزارة الداخلية العراقية بزيادة عملياتها لمكافحة هذه الظاهرة، حيث أعلنت اعتقال أكثر من 7 آلاف شخص متورط في قضايا المخدرات، وضبط ما يزيد عن 6 أطنان من المواد المخدرة خلال العام 2024 فقط، إضافة إلى إصدار أحكام إعدام بحق أكثر من 130 مهرباً دولياً.

ومع ذلك، يعترف مسؤولو الوزارة أن الجهود الحالية ما تزال بحاجة إلى المزيد من التصعيد والتنسيق مع الأجهزة الأمنية والقضائية.

ماذا بعد؟

الحرب على المخدرات في العراق مرشحة للتصعيد خلال الأعوام القادمة، حيث كشفت وزارة الداخلية عن خطط طموحة لعام 2025، تتضمن الاستمرار في توجيه “ضربات قاصمة” لعصابات المخدرات، إضافة إلى العمل على تأهيل المدمنين ودمجهم مجددًا في المجتمع، مع تكثيف حملات التوعية الوقائية.

من جهة أخرى، يسعى البرلمان العراقي إلى تعديل قانون مكافحة المخدرات لسنة 2017، بهدف تشديد العقوبات ومنح مديرية مكافحة المخدرات صلاحيات أوسع، من خلال تحويلها إلى وكالة مرتبطة مباشرة بوزير الداخلية، ويأمل المشرعون أن تسهم هذه الخطوات في كبح هذه الظاهرة الخطيرة.

لكن رغم ما تحقق من “نجاحات نسبية”، يظل الطريق أمام العراق طويلاً وشائكاً، لا سيما في ظل استمرار تدفق المخدرات عبر حدوده مع إيران وسوريا، إذ تشير التقارير الحقوقية إلى أن مادتي “الكريستال” والـ”كبتاغون” هما الأكثر انتشاراً في الشارع العراقي، إلى جانب الحشيش والهيروين.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *