كتب- محمد النجار:
حكم آل الأسد سوريا لأكثر من نصف قرن من الزمان، لكن في النهاية اخترقت قوات المعارضة السورية مقر سلطتهم في دمشق، مما دفع الرئيس بشار الأسد إلى المغادرة، ليعلن انتهاء حكم العائلة في سوريا.
على مدى أكثر من خمسة عقود من الزمان، وتحديدًا من عام 1970، كانت هذه السلالة العلوية تحكم دولة ذات أغلبية سنية.
تولى حافظ الأسد السلطة بانقلاب في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، إيذاناً ببداية عصر جديد في سوريا، وفي ذلك الوقت، اتسمت البلاد بعدم الاستقرار السياسي، حيث سيطرت سلسلة من الانقلابات على تاريخها بعد الاستقلال.
بنى حافظ، وهو عضو في الأقلية العلوية، قاعدة سلطته كقائد للقوات الجوية السورية ووزير للدفاع، وبحلول الوقت الذي استولى فيه على السلطة، كان قد زرع شبكة ولاءات داخل الجيش وحزب البعث.
فرق تسد
اعتمدت استراتيجية حافظ الأسد على تكتيكات “فرق تسد”، مستغلاً الانقسامات العرقية والدينية والسياسية في سوريا، وصدر نظامه باعتباره العمود الفقري الذي يحافظ على تماسك الدولة.
ولتدعيم نظامه، عمل حافظ على ترقية الأقلية العلوية، التي كانت تقليدياً مجموعة مهمشة، إلى مناصب السلطة في الجيش والحكومة.
وفي الوقت نفسه، تلاعب بالاختلافات الطائفية والقبلية في سوريا لتحييد التهديدات المحتملة، وضمان عدم تمكن أي مجموعة واحدة من تحدي سلطته.
العلويون في سوريا
بعد استقلال سوريا في عام 1946، برزت الطائفة العلوية كقوة مهمة في منطقتين رئيسيتين: الحركات السياسية والقوات المسلحة.
وكان هذا التحول بمثابة انحراف عن وضعها المهمش تاريخياً، حيث بدأ العلويون في تأكيد نفوذهم داخل هياكل السلطة المتطورة في سوريا.
كانت الأقلية العلوية، التي تشكل ما يقرب من 12 إلى 15 في المائة من سكان سوريا قبل الحرب، القاعدة الأساسية لدعم النظام.
وينبع هذا الولاء جزئياً من التهميش التاريخي الذي عانت منه هذه الطائفة والفرص المتاحة لها في ظل حكم الأسد، وخاصة في الأجهزة العسكرية والأمنية.
كان حزب البعث، الذي تأسس في عام 1947، يسعى إلى توحيد القومية العربية والاشتراكية والعلمانية ومعاداة الإمبريالية، وبالنسبة للعديد من العلويين، كانت المثل العلمانية الشاملة لحزب البعث تقدم بديلاً أكثر جاذبية عن جماعة الإخوان المسلمين.
خلافة الأسد الأب
كان حافظ الأسد يعتزم نقل إرثه إلى ابنه الأكبر باسل، الذي كان مهيأً للقيادة، ولكن وفاة باسل في حادث سيارة في عام 1994 أجبرت حافظ على اللجوء إلى ابنه الثاني بشار، وهو طبيب عيون لم يكن له خبرة سياسية.
وعندما توفي حافظ في عام 2000، تولى بشار الرئاسة بعد استفتاء حصل فيه على 97% من الأصوات .
قوبل صعود بشار بالتفاؤل في البداية، فقد كان العديد من السوريين والمراقبين الأجانب يأملون في أن يحقق بشار الإصلاحات والانفتاح على نظام خنقه الحكم الاستبدادي لفترة طويلة.
لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت، فلم يرث بشار نظام والده فحسب، بل ورث أيضاً الدائرة الداخلية لوالده، والتي تتألف من زعماء ثوريين متقدمين في السن كانوا يسيطرون على مؤسسات الدولة الرئيسية منذ سبعينيات القرن العشرين.
تعزيز سلطة بشار
لقد اتسمت السنوات الأولى من حكم بشار بمحاولات استبدال حلفاء والده بمقربين منه، وكان أغلبهم من النخبة الحضرية في سوريا.
وعلى النقيض من أسلافهم، لم تكن الدائرة الداخلية لبشار تتمتع بصلات شعبية، الأمر الذي أدى إلى عزل النظام عن سكان الريف في سوريا.
لقد تزامن إضعاف مؤسسات الدولة في عهد بشار مع صعود زمرة ضيقة من النخب التي تركزت حول عائلته، ولعبت شخصيات مثل شقيقه ماهر وشقيقته بشرى وزوجها آصف شوكت أدواراً رئيسية في أجهزة الأمن والجيش التابعة للنظام.
وتركزت القوة الاقتصادية في أيدي المقربين من النظام، وأبرزهم رامي مخلوف، ابن خال بشار، الذي يقال إنه كان يسيطر على أكثر من 60% من الاقتصاد السوري.
حكم الحديد والنار
اتسم حكم حافظ الأسد بالحزم، ولعل أبرز ما حدث مثالاً على ذلك سحق الجيش السوري انتفاضة مسلحة لجماعة الإخوان المسلمين في مدينة حماة عام 1982.
وتتراوح تقديرات عدد القتلى بين 10 آلاف و40 ألف شخص، مما يجعل هذه الحملة واحدة من أكثر حملات القمع عنفاً في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.
واستمر هذا النمط من القمع في عهد بشار، وبلغ ذروته في انتفاضة عام 2011 التي كانت بمثابة بداية دخول سوريا إلى موجة احتجاجات الربيع العربي، وما بدأ كمظاهرات سلمية في درعا تصاعد إلى حمل المعارضة للسلاح مما أدخل البلاد في حرب أهلية شاملة بعد أن رد الجيش السوري الضربات، ومنذ ذلك الحين أودى الصراع بحياة مئات الآلاف وشرّد الملايين.
اتسمت فترة حكم بشار بسوء الإدارة الاقتصادية وتزايد التفاوت، ففي حين تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2000 و2010، فإن الفوائد تركزت بين نخبة صغيرة.
كما أدى انتشار الفقر والبطالة والفساد إلى تفاقم السخط العام، وأجبر الجفاف الشديد في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى جانب سوء إدارة الموارد، مئات الآلاف من السوريين الريفيين على الانتقال إلى المناطق الحضرية.
دولة الظل
لقد كانت استراتيجية بقاء نظام الأسد متجذرة في نموذج ” دولة الظل”، حيث توجد السلطة الحقيقية خارج المؤسسات الرسمية.
ويعتمد هذا النظام، المصمم ليكون محصناً ضد الانقلابات، على تداخل أجهزة الأمن، وشبكات المحسوبية، وثقافة المراقبة المتبادلة.
ورغم فعاليته في الحفاظ على السيطرة، فقد جعل الحكم في سوريا غامضاً وغير خاضع للمساءلة، ورغم واجهة الانتخابات والإصلاحات الدستورية، ظلت سوريا دولة يحكمها الأسد فقط بحكم الأمر الواقع.
2011 وما بعده
بعد مرور أكثر من ثلاثة عشر عاما على اندلاع الانتفاضة السورية، ظلت الحرب الأهلية كارثة لم تُحَل بعد.
لقد تطورت تلك المظاهرات المبكرة، التي كانت مدفوعة بمطالبات بإصلاحات متواضعة، إلى حرب أهلية شاملة، أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.
وفي عام 2024، وبعد فترة وجيزة من التحسن، أدى تجدد العنف إلى إعادة الصراع إلى دائرة الضوء العالمية.
شنت قوات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوما غير مسبوق، متحدية النظام بشكل مباشر لأول مرة منذ سنوات.
حاولت هيئة تحرير الشام، وهي فصيل إسلامي كان مرتبطا بتنظيم القاعدة، التخلص من صورتها المتطرفة تحت قيادة أبو محمد الجولاني، ومع ذلك لا تزال مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
وفي نهاية المطاف، انتهى زحف المعارضة السريع واحتلالهم للمدن الرئيسية إلى سيطرتهم على دمشق، مما دفع الأسد إلى الفرار إلى جهة غير معلومة حتى الآن.