ثورات الربيع العربي.. لماذا هرب بن علي وبشار ولم يهرب حسني مبارك؟

كانت ثورات الربيع العربي التي اندلعت في عام 2011 نقطة تحول كبيرة في تاريخ العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. واجتاحت هذه الثورات تونس ومصر وسوريا، وكان لكل منها سياقها الخاص والأسباب التي أدت إلى نجاح أو فشل تحركات شعوبها. ففي تونس، كان الفقر والبطالة والفساد المستشري من أبرز الأسباب التي أدت إلى الثورة، مما دفع الشعب إلى الخروج ضد نظام بن علي، الذي سرعان ما فر من البلاد. أما في مصر، فقد كان التوريث والفساد والظروف الاقتصادية السيئة من العوامل الرئيسية التي دفعت إلى اندلاع الثورة، التي انتهت بتنحي حسني مبارك بعد ضغوط شعبية ودولية هائلة. وفي سوريا، كانت الاحتجاجات السلمية ضد نظام بشار الأسد قد تطورت إلى صراع مسلح دامٍ، بعدما واجهت قمعًا عنيفًا من النظام، مما حول الثورة إلى حرب أهلية مستمرة.بينما نجحت بعض الثورات في الإطاحة بالأنظمة الحاكمة مثلما حدث في تونس ومصر، فشلت الأخرى في تحقيق أهدافها بسبب العوامل الداخلية والخارجية التي تعقدت معها الظروف. هذه الثورات، رغم فشل البعض منها في تحقيق تطلعات شعوبها، إلا أنها تركت بصمة عميقة في تاريخ المنطقة، وأثرت على الحركات السياسية والاجتماعية في العديد من الدول العربية. وفي هذا التقرير، نسلط الضوء على الثورات في هذه البلدان، مع التركيز على السؤال: “لماذا هرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والسوري بشار الأسد بينما ظل الرئيس المصري حسني مبارك في منصبه لفترة أطول؟”

الربيع العربي.. البداية في تونس

في ديسمبر/ كانون الأول 2010، اندلعت أولى شرارات ثورات الربيع العربي من تونس بعد إضرام محمد بوعزيزي، الشاب التونسي، النار في نفسه احتجاجًا على سوء معاملة الشرطة له. ما بدأ كاحتجاج فردي تحول إلى حراك شعبي هائل ضد نظام الرئيس زين العابدين بن علي، الذي حكم البلاد بقبضة حديدية منذ عام 1987.وفي تونس، كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية من أبرز العوامل التي ساهمت في اندلاع الثورة، فقد عانت البلاد من مشاكل اقتصادية مزمنة، حيث شهدت زيادة كبيرة في معدلات البطالة، وخاصة بين فئة الشباب. كما تدهورت مستويات المعيشة بشكل ملحوظ، مما زاد من الاستياء الشعبي. هذه الظروف القاسية كانت أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت المواطنين للخروج إلى الشوارع في احتجاجات عارمة ضد النظام.وإلى جانب ذلك، كان الفساد المستشري في النظام التونسي من العوامل المحورية التي أثارت غضب الشعب، فقد كانت العائلة الحاكمة وأفراد من دوائرها المقربة يسيطرون على العديد من القطاعات الاقتصادية في البلاد، مما أدى إلى تركز الثروات في أيدي قلة من الأشخاص، في حين كان غالبية المواطنين يعانون من الفقر والبطالة.وساهم هذا الفساد الواسع في تعزيز مشاعر الإحباط لدى المواطنين ورفع سقف المطالب بالتغيير.وعلاوة على ذلك، كان النظام التونسي يشهد رقابة صارمة على وسائل الإعلام ويقوم بقمع المعارضين بكل الطرق الممكنة. وكان هذا النظام يعتمد على أساليب قمعية شديدة لمنع أي تحرك معارض، وهو ما خلق حالة من الاحتقان في البلاد. ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية، بدأ النظام يفقد قدرته على السيطرة على الموقف، مما أفضى في النهاية إلى هروب بن علي من البلاد في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، إلى السعودية بعد ضغط شعبي هائل وأحداث دامية في شوارع تونس.

مصر.. ثورة 25 يناير وتحولات السلطة

في مصر، بدأت الثورة في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع مطالبين بإسقاط الرئيس حسني مبارك، الذي حكم البلاد لمدة 30 عامًا.وكانت الثورة في مصر نتيجة لمجموعة من العوامل التي تراكمت على مر السنين وأدت إلى انفجار الغضب الشعبي في 25 يناير 2011. وأحد أبرز الأسباب كان القلق من توريث الحكم من الرئيس حسني مبارك إلى ابنه جمال. وأثار هذا الاحتمال حالة من الغضب الواسع بين المواطنين، الذين رأوا في ذلك استمرارًا للاستبداد العائلي الذي أضر بالبلاد لعقود. إضافة إلى ذلك، انتشرت ظاهرة الفساد في مختلف المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، حيث كانت العائلة الحاكمة وحلفاؤها يسيطرون على الكثير من القطاعات الاقتصادية، مما أدى إلى تكدس الثروات في يد القلة وتدهور مستوى معيشة الأغلبية.كما كانت الظروف الاقتصادية من أبرز الأسباب التي أدت إلى الثورة، فقد عانت مصر من معدلات عالية من الفقر والبطالة، خاصة بين الشباب. وكان هذا الوضع قد أثر بشكل مباشر على حياة المواطن العادي، حيث كان يعاني من ضعف فرص العمل وانخفاض الأجور، ما جعل الوضع الاجتماعي متأزمًا. ووجدت الطبقات الاجتماعية الدنيا، التي كانت تعاني بشدة من تداعيات هذا الوضع الاقتصادي الصعب، نفسها في مواجهة مباشرة مع النظام الذي لم يكن يوفر لهم فرصًا أفضل.أضف إلى ذلك القيود الشديدة على الحريات التي فرضها النظام المصري على الإعلام والمجتمع المدني. وكان النظام يراقب الصحافة ويحد من حرية التعبير، مما أدي إلى تفشي الشعور بالظلم والقمع بين المواطنين. وأدى هذا المناخ السياسي الخانق إلى تفاقم الاستياء الشعبي، الذي سرعان ما تجسد في احتجاجات واسعة شملت جميع أنحاء مصر، مطالبة بإسقاط النظام.

لماذا لم يهرب حسني مبارك؟

كان للجيش المصري دور محوري في الحفاظ على استقرار النظام طوال فترة حكم الرئيس حسني مبارك. ومع بداية الاحتجاجات الشعبية في يناير/ كانون الثاني 2011، حاول النظام تقليل تأثير الثورة من خلال إرسال الجيش إلى الشوارع، في محاولة للسيطرة على الوضع وإظهار قوة النظام، إلا أن الجيش ظل في معظم الأحيان محايدًا، ولم يتخذ موقفًا صريحًا لصالح النظام. ومنح هذا الحياد مبارك فرصة للاستمرار في السلطة لفترة أطول، رغم التظاهرات الكبيرة التي كانت تطالب بإسقاطه.ومن جهة أخرى، اتبع مبارك استراتيجية التأجيل لمواجهة المظاهرات التي بدأت تعصف بالبلاد. وحاول احتواء الغضب الشعبي من خلال تقديم بعض الإصلاحات الشكلية، مثل تعيين رئيس وزراء جديد، إلى جانب الإعلان عن مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي كانت تهدف إلى تهدئة الشارع. كما أعلن في وقت لاحق أنه لن يترشح لفترة رئاسة جديدة، لكنه ظل متمسكًا بمنصبه لفترة أطول. هذه المناورات لم تكن كافية لتهدئة الاحتجاجات، إذ استمر المصريون في مطالبتهم بإسقاط النظام.وبالإضافة إلى ذلك، حافظ مبارك على دعم بعض القوى الدولية التي كانت ترى في استقراره عاملًا أساسيًا في الحفاظ على مصالحها في المنطقة. ومع ذلك، ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية، بدأت الضغوط الدولية تتزايد بشكل كبير. وتدريجيًا، بدأ المجتمع الدولي يشعر بأن استمرار مبارك في السلطة أصبح يشكل عبئًا على الاستقرار في المنطقة. ومع تزايد الاعتراضات المحلية والدولية، ضغطت هذه القوى على مبارك حتى اضطر في 11 فبراير/ شباط 2011 إلى التنحي عن منصب الرئاسة، بعد أن أصبح الجيش في النهاية ضد استمرار حكمه.

سوريا.. الثورة المستمرة تحت قيادة بشار الأسد

في سوريا، اندلعت الثورة في مارس/ آذار 2011 بعد أن خرجت مظاهرات في مدينة درعا احتجاجًا على الاعتقالات التعسفية والتعذيب الذي تعرض له أطفال بسبب كتابة شعارات مناهضة للنظام، وتحولت هذه الاحتجاجات إلى حرب أهلية دامية استمرت سنوات.وكانت الأسباب التي أدت إلى الثورة في سوريا متشابكة ومعقدة، وتراوحت بين الاستبداد السياسي، الظروف الاقتصادية الصعبة، والتأثيرات الإقليمية والدولية.فمن الناحية السياسية، كان نظام بشار الأسد يتمتع بقبضة حديدية على السلطة منذ توليه الحكم في عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الأسد. وتميز هذا النظام بالقمع الشديد للمعارضة، وكان يفرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام، ويعتقل الناشطين السياسيين. وتلك السياسات الاستبدادية التي مارسها النظام كانت أحد الأسباب الرئيسية التي غذت الغضب الشعبي وأدت إلى اندلاع الاحتجاجات.أما من الناحية الاقتصادية، فقد كانت سوريا تعاني من تدهور اقتصادي حاد نتيجة للفساد المستشري في معظم مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى تفشي البطالة والفقر في العديد من المناطق. وأثرت هذه الظروف الاقتصادية الصعبة أثرت بشكل كبير على الحياة اليومية للمواطنين، مما زاد من شعورهم بالإحباط والعجز في مواجهة النظام الحاكم. وكانت الطبقات الاجتماعية الدنيا تعاني بشكل خاص، ما جعلها أكثر عرضة للاحتجاج ضد الأوضاع.وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، كانت الثورات التي اندلعت في تونس ومصر عام 2011 مصدر إلهام للكثير من السوريين. فتلك الثورات، التي نجحت في الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية في البلدين، أثبتت أن التغيير ممكن حتى في ظل الأنظمة القمعية. وشجع هذا التأثير الخارجي السوريين على الخروج في مظاهرات حاشدة للمطالبة بالحرية والديمقراطية.لكن النظام السوري رد بشكل عنيف، مما أدى إلى تصعيد الأوضاع وتحول الاحتجاجات إلى صراع طويل الأمد.

ليلة هروب الأسد

مع تقدم فصائل المعارضة المسلحة نحو العاصمة السورية دمشق، وتدمير الجيش السوري تحت وطأة الهجمات المتسارعة، أدركت روسيا أن الوقت بات ضيقاً لحماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وفي ظل انهيار النظام بشكل سريع، وضعت موسكو خطة فورية لنقل الأسد إلى موسكو.وبحسب تقارير نقلتها “بلومبرغ”، تمت إدارة عملية نقل بشار الأسد بواسطة الاستخبارات الروسية التي نظمت نقله جواً عبر قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا، بعد إقناع الأسد بأن استمراره في حكم سوريا أصبح مستحيلاً. وعرضت روسيا على الأسد وعائلته مروراً آمناً، مع تحذير له بأن النظام سيخسر الحرب إذا استمر على هذا النهج.وفي هذه اللحظة الحرجة، طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهاز الاستخبارات الروسي التحقيق في سبب عدم رصد التهديدات المتزايدة لنظام الأسد من قبل أجهزة الاستخبارات. وفي تصريحات أدلى بها نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، أكد أن الأسد نُقل إلى روسيا “بطريقة آمنة للغاية”.العملية نفسها كانت دقيقة، حيث تم إغلاق جهاز الإرسال والاستقبال للطائرة التي نقلت الأسد لضمان عدم تعقبها. وتم نقل الأسد عبر قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، حيث تمتلك روسيا قاعدة جوية بحرية مهمة.وبعد ساعات من مغادرة الأسد، دخلت الفصائل المسلحة دمشق دون مقاومة من الجيش السوري، معلنةً سقوط النظام بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية. وعلى الرغم من الدعم الروسي الذي لعب دوراً مهماً في بقاء نظام الأسد عبر القصف وتقديم الدعم العسكري، إلا أن الجيش السوري لم يُبدِ مقاومة كبيرة أمام تقدم الفصائل نحو حمص وحماة، مما دفع موسكو للاستنتاج أنها لن تتمكن من حماية الأسد بشكل كاف.وفي وقت لاحق، منح الرئيس الروسي بوتين الأسد حق اللجوء في روسيا بعد أن تم نقله “بشكل آمن للغاية”، وأكد ريابكوف أن روسيا ستستمر في دعم الأسد، رغم الاتهامات التي طالت نظامه بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة.وفيما يتعلق بمستقبل الأسد، صرح ريابكوف أن روسيا ليست طرفاً في محاكمة الرئيس السوري أمام المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى أن موسكو ستواصل دعم علاقاتها مع الأطراف المختلفة في سوريا.

تفاوت ردود فعل الحكام العرب في مواجهة الربيع العربي

وفيما يخص ردود فعل الحكام العرب في موجات الربيع العربي، يمكن القول إن مواقفهم تفاوتت بشكل كبير وفقًا للظروف السياسية والاحتكاك المباشر مع شعوبهم. ففي حالة الرئيس السوري بشار الأسد، كانت جرائمه كبيرة ومتنوعة، ما جعله غير قادر على التفكير في رد فعل مماثل لما حدث في ليبيا، فالأسد كان يدرك تمامًا أن استمرار القمع العنيف ضد الشعب السوري قد يفضي إلى مواجهة لا يمكنه تحمل نتائجها.أما في تونس، فقد كان الرئيس زين العابدين بن علي، الذي كان أول من هرب من السلطة في 2011، خائفًا من المواجهة مع الشعب، وكان يدرك تمامًا حجم الغضب الشعبي وتهديد حياته، لذا قرر الهروب سريعًا تفاديًا لأي مواجهة قد تنتهي بمقتله أو محاكمته. وفي المقابل، كان الرئيس المصري حسني مبارك يعتقد أنه في منأى عن المساءلة نظرًا لأنه كان ضابطًا في القوات المسلحة، ويظن أن الجيش سيحميه في النهاية، لكنه فوجئ بعد تنحيه عن الرئاسة بتقديمه للمحاكمة.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *