سعيد صالح.. الفنان الذي مزج الكوميديا بالشجاعة السياسية

كتبت – ياسين أبو العز

في تاريخ الفن المصري، يتبوأ الفنان الراحل سعيد صالح مكانة خاصة، ليس فقط بسبب موهبته الفائقة التي أضاءت خشبة المسرح، بل أيضًا بسبب مواقفه السياسية التي جعلت منه شخصية مثيرة للجدل، حيث كانت مسيرته الفنية مليئة بالنجاحات، لكن أيضًا بالتصادم مع السلطات.

وارتبط اسم سعيد صالح بمسرحيات حملت في طياتها رسائل سياسية جريئة، أثارت غضب النظام الحاكم في فترات متباينة، وأدت إلى محاكمته وسجنه في واحدة من أكثر الحلقات إثارة في تاريخه الفني.

سعيد صالح كان فنانًا جريئًا لا يخشى التعبير عن آرائه، وهو ما أوقعه في صدامات مباشرة مع السلطات في أوج نجوميته.

قصة سجنه السياسي وارتباطه بمواقف جريئة شكلت فصلاً مهمًا في حياته، ليظل رمزًا للشجاعة الفنية.

سعيد صالح.. الفنان الذي مزج الكوميديا بالسياسة

ولد سعيد صالح في 31 يوليو/ تموز 1940، وبدأ مسيرته الفنية مبكرًا، ليصبح أحد أبرز وجوه المسرح المصري في السبعينات والثمانينات.

واشتهر بتقديم أدوار كوميدية رغم أنه كان يحمل في طيات شخصيته القدرة على التفاعل مع القضايا الاجتماعية والسياسية. وكانت أعماله تتسم بالجرأة، حيث لم يتردد في استخدام المسرح كمنصة لطرح قضايا حساسة، سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي، وهو ما جعله يختلف عن العديد من أقرانه الذين اختاروا الابتعاد عن هذه القضايا الشائكة.

ومن أبرز أعماله المسرحية “مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت”، والتي تعتبر من أشهر المسرحيات في تاريخ المسرح المصري.

لكن صالح لم يتوقف عند الكوميديا البسيطة، بل امتد إلى مجالات أكثر جدية، إذ عُرف بجرأته في مناقشة الفساد الاجتماعي والظروف المعيشية للمواطن المصري، بل وحتى انتقاد السياسات الحكومية في بعض أعماله.

المسرح السياسي.. المعركة بين الفن والسلطة

في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، شهدت الساحة الفنية المصرية حالة من الارتباك بسبب ازدياد استخدام الفن كأداة نقدية ضد النظام الحاكم، وكان سعيد صالح واحدًا من أبرز الفنانين الذين تبنوا هذا التوجه.

كانت أعماله لا تقتصر على الترفيه فقط، بل كانت تحمل رسائل اجتماعية وسياسية مباشرة.

فإلى جانب موهبته الكبيرة في الفن، كان سعيد صالح مهتمًا أيضًا بالحياة السياسية والمجتمع المصري، وهو ما انعكس بوضوح في أعماله المسرحية التي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية، ما أدى إلى تعرضه للسجن.

النكتة السياسية ومسرحية “لعبة اسمها الفلوس”

في عام 1983، خلال عرضه لمسرحية “لعبة اسمها الفلوس”، أطلق سعيد صالح نكتة شهيرة قال فيها:

“واحد ماسك واحد حرامي.. قال له: عايز تسرق البلد؟ قال له: لا، سايبها للي بيأكلوها”.

النكتة كانت إسقاطًا واضحًا على الأوضاع السياسية والاقتصادية في تلك الحقبة، مما أثار غضب السلطات.

اعتبرت النكتة إهانة مباشرة لنظام الرئيس حسني مبارك.

وأثارت إحدى العبارات في المسرحية ذاتها، التي قال فيها “أمي اتجوزت 3 مرات، الأولى أكلنا المش، والتانية اتعلمنا الغش، والتالتة لا بيهش ولا بينهش”، جدلًا كبيرًا، حيث فسرها كثيرون على أنها إشارة إلى رؤساء مصر الثلاثة في تلك الفترة، جمال عبد الناصر، أنور السادات، وحسني مبارك.

 وجرى التحقيق معه لاحقًا، ليصدر حكم بحبسه لمدة 6 أشهر مع التغريم بـ 50 جنيه، بتهمة الإساءة إلى النظام.

ولم تكن هذه الواقعة الوحيدة التي كشفت عن مواقفه الجريئة. سعيد صالح كان معروفًا بحسه النقدي العالي، والذي تجلى ليس فقط في مسرحياته، بل أيضًا في تصريحاته وحواراته.

وكان مؤمنًا بدور الفن كأداة لتسليط الضوء على هموم الناس.

ولم يكن يخشى التعبير عن آرائه السياسية والاجتماعية بصراحة، وهو ما عرضه في أكثر من مناسبة للرقابة والملاحقة.

وكان يرى أن الكوميديا ليست فقط وسيلة لإضحاك الجمهور، بل أيضًا لإثارة وعيه وتسليط الضوء على قضايا المجتمع.

“ممنوع من السفر”.. أغنية الثورة ضد الظلم

سعيد صالح لم يكن مرتبطًا فقط بالكوميديا، بل ترك بصمته أيضًا في الغناء، ومن أشهر الأغاني التي شارك فيها أغنية “ممنوع من السفر” التي جاءت في سياق مسرحية “مدرسة المشاغبين”.

الأغنية، التي تحمل طابعًا ساخرًا وناقدًا، كانت تعكس مشاعر القهر والتضييق الذي عايشه كثيرون في تلك الحقبة. كلماتها مثل:

“ممنوع من السفر، ممنوع من الغنا، ممنوع من الكلام، ممنوع من الاشتياق، ممنوع من الاستياء”

وتحولت إلى أيقونة رمزية ضد التقييد والقمع، وظلت مرتبطة بروح التمرد لدى سعيد صالح ورفاقه.

السجن.. تجربة قاسية لكنها مُلهمة

عن تجربته في السجن، قال سعيد صالح:”أنا في السجن برضو حر.”

الجملة لخصت فلسفته في الحياة؛ فرغم قسوة الظروف، ظل متمسكًا بحريته الفكرية.

والسجن لم يكن النهاية بالنسبة له، بل خرج منه أكثر إصرارًا على تقديم فن يعبر عن نبض الشارع، ليصبح رمزًا للشجاعة في مواجهة السلطة.

ما بعد السجن.. الفن وساحة التغيير

بعد الإفراج عنه، استأنف سعيد صالح مسيرته الفنية، مقدمًا أعمالًا حملت إسقاطات جريئة على الواقع.

ورغم الرقابة والملاحقات، استمر في إشعال الضحك والوعي في قلوب جمهوره.

حياة سعيد صالح كانت مزيجًا من الفن والجرأة، ليبقى في ذاكرة المصريين والعالم العربي ليس فقط كفنان كوميدي بارز، بل أيضًا كصوت لا يخاف من كسر الصمت.

إرث سعيد صالح.. الفن والحرية السياسية

ورغم مرور السنوات، لا يزال اسمه يتردد في أروقة المسرح المصري، ليس فقط كممثل بارع، ولكن كرمز للفن الذي لا يخشى مواجهة التحديات، حتى ولو كانت من السلطات.

ومحاكمته وسجنه كانت جزءًا من معركة أكبر خاضها الفنانون المصريون من أجل الحرية الفنية والسياسية في مواجهة الأنظمة القمعية.

بعد وفاته في 1 أغسطس 2014، ترك سعيد صالح إرثًا فنيًا كبيرًا في المسرح المصري، وأصبح رمزًا للمقاومة الفنية ضد السلطة.

وفي الذاكرة الثقافية، تبقى مسرحيات سعيد صالح ذات طابع خاص، حيث تزاوج بين الكوميديا والجدية، وتتناول قضايا اجتماعية وسياسية بشكل فكاهي لكنه عميق.

ورغم التحديات التي واجهها، لا يزال سعيد صالح يمثل أحد أبرز الوجوه التي تمكنت من خلق توازن بين الموقف السياسي والفن الذي يخدم قضية الناس.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *