تُعتبر اختبارات كشف الكذب، أو “البوليغراف”، أداة مثيرة للجدل في عالم التحقيقات الجنائية، لكنها غالبًا ما تفشل أمام القتلة المتسلسلين.
يُظهر هؤلاء قدرة مذهلة على اجتياز هذه الاختبارات، مما يثير تساؤلات حول فعاليتها وطباعهم النفسية.. فكيف يتمكن هؤلاء المجرمون من خداع الآلات، ولماذا يُعد هذا التحدي كبيرًا، وما الذي ينتظرنا في مواجهة هذه الظاهرة؟
ماذا حدث؟
تكشف تقارير حديثة أن القتلة المتسلسلين، مثل غاري ريدجواي، المعروف بـ”قاتل النهر الأخضر”، تمكنوا من اجتياز اختبارات البوليغراف بسهولة.
ريدجواي، الذي أقر بقتل 48 ضحية في الثمانينيات والتسعينيات، خضع لاختبار في 1984 ونجح فيه، مما أبعد الشبهات عنه مؤقتًا.
يقول العميل السابق في مكتب التحقيقات الفدرالي، جون دوغلاس، إن قتلة مثل تيد باندي وريدجواي لا يُظهرون القلق الذي يُفترض أن يُسجله البوليغراف، الذي يقيس التغيرات الفسيولوجية مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم.
هذه الأجهزة، غير المسموح باستخدام نتائجها في المحاكم بسبب عدم دقتها، تعتمد على افتراض أن الكذب يُثير ردود فعل عاطفية، لكن القتلة المتسلسلين، الذين قد يمتلكون سمات نفسية مثل غياب التعاطف أو الندم، يتحدون هذا الافتراض، مما يجعل الاختبارات غير فعالة.
لماذا هذا مهم؟
تُسلط هذه الظاهرة الضوء على هشاشة البوليغراف كأداة تحقيق، حيث تصل نسبة النتائج الإيجابية الكاذبة إلى 50%.
القتلة المتسلسلون، الذين قد يُعانون من اضطرابات مثل الشخصية المعادية للمجتمع، يفتقرون أحيانًا إلى الاستجابات العاطفية المتوقعة، مثل القلق أو الخوف من الكشف.
على سبيل المثال، حصل تيد باندي على درجة 39 من 40 في قائمة هير للسيكوباتية، مما يشير إلى غياب شبه كامل للعواطف مثل الندم. هذا الافتقار يُعطل آلية البوليغراف، التي تعتمد على ردود فعل فسيولوجية مرتبطة بالتوتر.
لكن ليس كل القتلة المتسلسلين “سيكوباتيين”، مما يُعقد الأمور، إذ يمكن أن يجتازوا الاختبارات لأسباب أخرى، مثل الثقة المفرطة أو الشعور بتبرير جرائمهم.
هذه المشكلة تُعيد فتح النقاش حول الحاجة إلى أدوات تحقيق أكثر دقة، خاصة في مواجهة مجرمين يتحدون النمط النفسي التقليدي.
ماذا بعد؟
مع استمرار الجدل حول البوليغراف، يتعين على الأجهزة الأمنية تطوير تقنيات تحقيق بديلة تعتمد على أسس علمية أكثر صلابة.
تقنيات مثل تحليل الدماغ بالرنين المغناطيسي أو رصد الإشارات السلوكية الدقيقة قد تُقدم حلولًا واعدة، لكنها لا تزال في مراحلها الأولية.
في الوقت الحالي، يُشدد الخبراء على أهمية الاعتماد على الأدلة المادية والتحقيقات الميدانية، كما في حالة جيفري دامر، حيث ألغت الأدلة الملموسة الحاجة إلى البوليغراف.
كما يُحث المحققون على تدريب متخصص لفهم السمات النفسية للقتلة المتسلسلين، مما قد يساعد في تحديد المشتبه بهم دون الاعتماد على أجهزة غير موثوقة.
على المدى الطويل، يتطلب الأمر إصلاحًا في النظام القضائي لتقليل الاعتماد على أدوات قديمة وتعزيز التعاون بين علماء النفس والمحققين.