ليس من السهل أن يتخيل الإنسان اليوم أن هناك وقتًا في التاريخ كان أسوأ من عصرنا هذا، بكل ما فيه من أزمات اقتصادية وجيوسياسية ومناخية.
ومع ذلك، فإن نظرة فاحصة إلى التاريخ تكشف عن عام قاتم يكاد يجمع المؤرخون على وصفه بأنه الأسوأ في تاريخ البشرية: إنه عام 536 ميلادية.
في ذلك العام، وقعت كارثة طبيعية ضخمة هزت الأرض دون سابق إنذار، حيث تشير الأدلة التاريخية والجيولوجية إلى حدوث ثوران بركاني هائل – يُرجّح أنه وقع في آيسلندا أو في مكان آخر في نصف الكرة الشمالي – تسبب في إطلاق كميات ضخمة من الرماد والغبار البركاني إلى الغلاف الجوي، ما أدى إلى حجب ضوء الشمس لمدّة 18 شهرًا، وانخفاض شديد في درجات الحرارة، وانهيار الزراعة، ومجاعة مروعة، وأوبئة قاتلة.
الشمس التي لم تشرق
في أوروبا، وصف المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس الشمس بأنها “أشعت بدون نور، مثل القمر طوال العام”، كما كتب السياسي الروماني كاسيدوريوس عن لون الشمس الأزرق وعدم وجود ظلال في منتصف النهار.
في تركيا الحالية، قال المؤرخ ميخائيل السرياني إن الشمس كانت “مكسوفة لمدّة 18 شهرًا، تعطي ضوءًا غريبًا لثلاث ساعات فقط كل صباح، لكنه ضوء لا يشبه النهار ولا الليل”.
هذا التعتيم لم يكن وهمًا، فقد كشفت تحاليل نوى الجليد في جبال الألب السويسرية عن وجود رماد بركاني دقيق يعود إلى ربيع عام 536، ما يدل على الكثافة العالية لجزيئات الرماد في الجو في تلك الفترة.
شتاء دائم ومجاعة شاملة
مع غياب الشمس، انخفضت درجات الحرارة العالمية بمقدار 3.6 درجات فهرنهايت (حوالي درجتين مئويتين).
في الصين، تساقط الثلج في أغسطس، وجُرفت المحاصيل بالبرد والفيضانات.
في بلاد ما بين النهرين، سُجّل تساقط الثلوج في الصيف، حتى الشعوب الأصلية في جنوب غرب الولايات المتحدة، والتي كانت بعيدة عن أوروبا وآسيا، أظهرت تحاليل حلقات الأشجار هناك تدهورًا مناخيًا مشابهًا.
في أيرلندا، وثّقت سجلات “حوليات ألستر” فشلًا في إنتاج الخبز، كما أكدت “حوليات إينيسفالين” على تكرار الأمر ذاته، ما يشير إلى مجاعة حادة.
أما في الصين، فقد تزامن الجفاف مع البَرَد والفيضانات، ما أدى إلى خراب المحاصيل بالكامل.
الموت في صمت
لم يتوقف الأمر عند البرد والجوع، إذ تشير دراسة دنماركية إلى أن الظروف الرطبة والباردة ساعدت على انتشار فطر الإرجوت في الحبوب مثل الشعير والقمح.
هذه الفطريات تُفرز سمومًا تسبب الهلوسة والتشنجات والغرغرينا، بل والموت.
ومع الجوع المدقع، ربما اضطر الناس لتناول تلك الحبوب المصابة رغم علمهم بخطورتها.
انهيار اقتصادي واجتماعي
على الصعيد الاقتصادي، تراجع استخراج الفضة في أوروبا بسبب توقف صهر المعادن، كما أظهرت تحاليل جليد جبال الألب انخفاضًا كبيرًا في تلوث الرصاص المرتبط بهذه الأنشطة.
وفي شمال أوروبا، تم التخلي عن العديد من القرى في السويد، وانتشر تقديم الذهب للآلهة كقرابين بدلًا من الاستثمار في التجارة.