ماذا حدث؟
في خطوة غير متوقعة، تبنى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطاب اليساريين البيئيين حول مخاطر “السموم البيئية” وتأثيرها على الأطفال، مشيرًا في خطابه الأخير إلى الكونغرس إلى وجود “أزمة متفاقمة” في معدلات التوحد.
قال ترامب: “في الماضي، كان واحد من كل 10,000 طفل يُشخص بالتوحد، واليوم النسبة أصبحت 1 من كل 36. هناك شيء خاطئ”.
الأرقام التي استشهد بها ترامب تعود إلى دراسة أجريت في ستينيات القرن الماضي، عندما كانت معايير التشخيص أكثر تقييدًا.
وعلى الرغم من عدم وجود أدلة علمية على أن اللقاحات تسبب التوحد، أعلن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أنه يخطط لدراسة العلاقة بين اللقاحات والتوحد، رغم فشل العديد من المحاولات السابقة في إثبات أي رابط سببي بينهما.
يأتي ذلك وسط انتشار نظريات مؤامرة يقودها شخصيات مثل روبرت ف. كينيدي جونيور، الذي وصفه ترامب نفسه قبل عام بأنه “مجنون يساري متطرف”، لكنه اليوم يشغل منصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية في إدارته.
لماذا هذا مهم؟
الترويج لفكرة أن التوحد ناتج عن “سموم بيئية” أو اللقاحات قد يكون له عواقب خطيرة، فهو يساهم في انتشار الذعر بين الآباء، مما قد يؤدي إلى تراجع معدلات التطعيم، وهو أمر قد يعرض الأطفال لخطر أمراض يمكن الوقاية منها.
ثانيًا، هذه المزاعم تتجاهل الأسباب الحقيقية لارتفاع معدلات تشخيص التوحد، والتي تعود إلى توسع معايير التشخيص وزيادة الوعي بالاضطراب.
على سبيل المثال، أشار الملياردير بيل غيتس في مذكراته إلى أنه لو كان طفلًا في العصر الحديث، لربما تم تشخيصه بالتوحد بسبب تركيزه الشديد وصعوبته في فهم الإشارات الاجتماعية.
علاوة على ذلك، فإن بعض الولايات والمدارس تستفيد ماليًا من تشخيص المزيد من الأطفال باضطراب التوحد، حيث توفر الحكومة الفيدرالية تمويلًا إضافيًا للطلاب الذين يتم تصنيفهم على أنهم يعانون من إعاقات تعليمية، وقد أدى ذلك إلى زيادة التشخيصات خلال العقود الماضية، حيث اكتشف الباحثون أن الولايات التي تقدم حوافز مالية للمدارس تشهد معدلات تشخيص أعلى من غيرها.
ماذا بعد؟
رغم أن الدراسات العلمية أثبتت مرارًا أن التوحد له أساس وراثي، يواصل البعض البحث عن تفسيرات بديلة تثير مخاوف لا أساس لها. في عام 2022، أظهرت الأبحاث أن معدل التشخيص بالتوحد تضاعف ثلاث مرات بين الأطفال والشباب بين عامي 2011 و2022، حتى مع انخفاض معدلات التطعيم بلقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR)، مما يدل على أن اللقاحات ليست العامل المؤثر في ارتفاع حالات التوحد.
بدلاً من إثارة المخاوف بشأن “السموم البيئية”، يجدر بالعلماء التركيز على الأبحاث الجينية التي تساهم في فهم طبيعة اضطراب التوحد وتطوير استراتيجيات تعليمية وعلاجية أكثر فعالية.