صوتك ليس ملكك؟.. الذكاء الاصطناعي يشعل معركة بين الفنانين والمحتالين

الذكاء الاصطناعي

ماذا حدث؟

فجّر الاستخدام المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي في تقليد أصوات وصور الفنانين لأغراض دعائية وتجارية موجة من الاعتراضات والاستياء في الوسط الفني.

أحدث هذه الأزمات ما تعرض له الفنان المصري حمادة هلال، الذي فوجئ بإعلان دعائي يستخدم صوته وصورته للترويج للعبة إلكترونية وهمية، دون علمه أو إذنه.

هلال كتب عبر حسابه على “إنستغرام”: “نصب واحتيال. حسبي الله ونعم الوكيل”، محذراً جمهوره من الانخداع بهذا الإعلان.

المشكلة لم تتوقف عند الفنانين الأحياء، بل امتدت لتشمل استخدام شخصيات فنانين راحلين مثل فريد شوقي، وأحمد زكي، وعمر الشريف في إعلان لشركة حلويات، ما دفع جمعية “أبناء فناني مصر للثقافة والفنون” لتقديم شكوى رسمية للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تطالب فيها بوقف بث الإعلان، معتبرة ما حدث إساءة لذكرى الراحلين واعتداءً على حقوق الورثة.

وفي السياق نفسه، أكدت تقارير أن اللعبة التي زُجّ باسم حمادة هلال فيها ترتبط بالمراهنات الإلكترونية التي سبق لوزارة الداخلية المصرية أن حذّرت منها، وأشارت إلى ضبط شبكات تعمل في هذا المجال، فيما شدد الأزهر على أن هذه الأنشطة قد تؤدي إلى نتائج مأساوية لمن يقعون في فخها.

لماذا هذا مهم؟

تسلّط هذه الوقائع الضوء على قضية معقدة تتقاطع فيها التكنولوجيا بالملكية الفكرية، وتطرح تساؤلات جدية حول أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الإبداعي.

الذكاء الاصطناعي أصبح قادراً على تقليد الأصوات البشرية بشكل شبه مثالي، ما يتيح لفرد أو شركة إنتاج محتوى يبدو حقيقياً لكنه في جوهره مزيف، وهو ما وصفه النقاد بـ”الخداع الفني”، خصوصاً حين يُستخدم لتحقيق أرباح تجارية أو ترويجية دون إذن أصحاب الحقوق.

أكد الدكتور حسام لطفي، المستشار القانوني لجمعية المؤلفين والملحنين في مصر، أن استخدام صوت أو صورة الفنانين في مقاطع دعائية دون موافقة مسبقة يُعد جريمة قانونية واضحة، وتندرج تحت بند التعدي على الصورة الشخصية لفنان معروف، وهي جُنحة تستوجب المساءلة القانونية، وليست بحاجة إلى قانون جديد لتجريمها.

وأوضح لطفي، في تصريح خاص لـ”بريفلكس”، أن ما يحدث في بعض الحملات الإعلانية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي من محاكاة لصوت الفنان أو استخدام صورته لأغراض تجارية أو دعائية دون إذنه، يُعتبر اعتداءً صريحًا على حقوق فنان الأداء، مشددًا على أن هذا النوع من الحقوق محمي بموجب القوانين المعمول بها حاليًا في مصر، وخاصة قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.

وأضاف أن الاعتداء على صوت أو صورة الفنان لا ينتهي بوفاته، بل يمتد إلى الورثة الشرعيين، حيث يحق لهم التقدم بشكوى قانونية ضد أي جهة تقوم باستخدام إرث الفنان البصري أو السمعي دون الرجوع إليهم أو الحصول على تصريح مسبق، واعتبر أن هذه الانتهاكات تمثل إساءة لحقوق الأداء الفني وكرامة الفنان الحي أو المتوفى.

ودعا لطفي الجهات والمؤسسات المنتجة والإعلانية إلى الالتزام بالقانون واحترام الحقوق الفكرية والأدبية والفنية للفنانين، مؤكدًا أن الاستسهال في استغلال صوت الفنان أو صورته بشكل غير قانوني قد يعرّض الشركات والأفراد لملاحقات قانونية وتعويضات مالية.

واختتم تصريحه بالتشديد على أن “القانون المصري كافٍ لحماية هذه الحقوق، لكننا نحتاج لرفع الوعي العام بأهمية احترام صورة الفنان وصوته كجزء من هويته وحقوقه المعنوية والمادية”.

ماذا بعد؟

في ظل هذا المشهد المتسارع، يبدو أن معركة الفنانين مع الذكاء الاصطناعي دخلت منعطفاً قانونياً وأخلاقياً بالغ الحساسية.

على الصعيد المحلي، ينظّم القانون المصري رقم 82 لسنة 2002 حقوق الملكية الفكرية، وكذلك قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، إلا أن هذه القوانين لم تعد كافية وحدها لردع الاستخدامات الضارة للذكاء الاصطناعي، ما يفرض الحاجة إلى تحديثات تشريعية تتماشى مع العصر الرقمي.

عالمياً، لم تُحسم بعد القضايا القانونية المتعلقة باستخدام بيانات الفنانين في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث تستمر معارك قضائية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا بشأن ما يُعرف بـ”الاستخدام العادل”، وسط ضغوط من شركات كبرى مثل ميتا لشرعنة استخدام البيانات العامة.

وفي ظل غياب تشريعات موحدة ورقابة فعالة، تتجه شركات مثل “يوتيوب” و”سبوتيفاي” لتطوير أدوات لرصد المحتوى المزيف، لكن السباق لا يزال محتدماً بين المبدعين وصنّاع التكنولوجيا، كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يتحول إلى تهديد للسلم العالمي إذا لم يوضع تحت رقابة صارمة.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *