ذئاب تلقح الأزهار.. اكتشاف مثير في الحياة البرية بإفريقيا

ذئب يلقح الأزهار

في مرتفعات إثيوبيا العالية، حيث تتلاقى السماء مع الأرض في مشهد طبيعي ساحر، يتكشف أمامنا مشهد جديد غير تقليدي في عالم الحياة البرية.

في فترة ما بعد الموسم الجاف، عندما يعود المطر ويغسل الأرض العطشى، تنبض الحياة من جديد في نبات “البوكر الأحمر الإثيوبي، حيث تتفتح زهور هذه النباتات الحمراء والذهبية، لتصبح مصدرًا حيويًا للغذاء والحياة.

لكن بين الطيور السابحة والفراشات التي تطير حول الأزهار، يظهر زائر غريب: الذئب الإثيوبي.

الصياد الذي يلقح الأزهار

الذئب الإثيوبي، وهو من أندر الحيوانات في إفريقيا وأشدها تهديدًا بالانقراض، يعتبر حيوانًا مفترسًا متخصصًا في صيد القوارض.

مؤخرًا، كشف فريق من العلماء ما يعد مفاجأة مذهلة: الذئب الإثيوبي ليس مجرد صياد فحسب، بل يمكنه أن يكون أيضًا أحد الملقحات المميزة للأزهار.

هذه الاكتشافات جاءت بفضل جهود فريق برنامج “حماية الذئب الإثيوبي” التابع لجامعة أكسفورد، الذي يعمل منذ أكثر من 30 عامًا لحماية هذه الحيوانات المهددة.

لأول مرة في التاريخ، نشرت المجلة العلمية إيكولوجي دراسة تفصيلية حول سلوك الذئاب الإثيوبية في تناول رحيق الأزهار وتوثيق دورها المحتمل في تلقيحها.

البحث وراء سلوك الذئاب

في البداية، بدأ الباحث كلاوديو سيليرو، مؤسس البرنامج، بملاحظة هذا السلوك الغريب أثناء إحدى زياراته للمناطق التي يعيش فيها الذئب الإثيوبي.

ويقول سيليرو: “كنت جالسًا في مأوى صخري، وبينما كنت أراقب من خلال المنظار، رأيت ذئبًا يمر بين أزهار البوكر الأحمر، يتوقف ليلعق زهرة حمراء وصفراء زاهية، ثم ينتقل إلى الزهرة التالية”، موضحًا أن ذلك كان اكتشافًا غريبًا، خاصة أنه من المعروف أن الذئاب عادة ما تكون حيوانات مفترسة لا تتغذى على الأزهار أو الرحيق.

تم توثيق هذا السلوك بشكل أكبر عندما انضم إليهم المصور الفوتوغرافي أدريان ليسافري، الذي استغل شغفه بالحياة البرية ليصور هذه اللحظات الفريدة، وبعد عامين من المحاولات المتواصلة، نجح أدريان في التقاط صور مقربة تظهر كمية اللقاح الملتصقة بأنوف الذئاب أثناء تناولها للزهور.

هذه الصور كانت دليلاً قاطعًا على دور الذئاب في نقل اللقاح بين الأزهار، وهو ما شكل أساسًا لفهم الدور غير المتوقع لهذه الحيوانات في النظام البيئي.

إعادة تعريف دور الحيوانات المفترسة

على الرغم من أن الذئاب الإثيوبية تشتهر بصيد القوارض الكبيرة مثل الفئران العملاقة، إلا أن سلوكها في تناول الرحيق يعكس جانبًا آخر من تطورها البيولوجي.

ورغم أن الرحيق لا يوفر لهم التغذية الكافية التي يحتاجونها يوميًا، إلا أنه يعد بمثابة تعزيز بسيط للطاقة، وهو ما يجعلها تنجذب إلى الأزهار بين فترات الصيد.

يمثل هذا الاكتشاف تحديًا للصور النمطية السائدة حول التفاعل بين الحيوانات والنباتات، خاصة فيما يتعلق بالحيوانات المفترسة.

في الماضي، كان من المعتقد أن الملقحات الرئيسية هي الطيور والحشرات وبعض الثدييات الصغيرة مثل الطبات والمفترسات الصغيرة.

لكن الذئب الإثيوبي، كأول مفترس كبير يقوم بتلقيح الأزهار، يعيد تعريف مفاهيمنا حول هذه العلاقة البيئية.

آثار الاكتشاف على الحفاظ على البيئة

هذه الدراسة تفتح المجال أمام مزيد من البحث حول كيفية تأثير هذه العلاقة على النباتات الملقحة، وعلى النظام البيئي الأوسع في مرتفعات إثيوبيا.

ولكن، الأهم من ذلك هو أن هذا الاكتشاف يعزز أهمية الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض مثل الذئب الإثيوبي، التي تلعب دورًا في الحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال تفاعلها مع البيئة.

الذئب الإثيوبي يعيش في بيئة هشة للغاية، حيث يتعرض للعديد من التهديدات مثل فقدان المواطن، والأمراض، وتغيرات المناخ.

ومن هنا تأتي أهمية الحفاظ على هذه الأنواع، ليس فقط لحمايتها من الانقراض، ولكن أيضًا لضمان استمرارية العمليات البيئية التي تدعم الحياة في هذه المنطقة الفريدة.

إن الحفاظ على بيئة “الأفروالبلين” في إثيوبيا لا يقتصر فقط على حماية الذئاب، بل يشمل أيضًا الحفاظ على جميع الكائنات التي تعتمد عليها، بما في ذلك الأزهار والطيور والمجتمعات المحلية التي تستفيد من هذه الموارد الطبيعية.

في نهاية المطاف، يقدم هذا الاكتشاف مثالًا قويًا على كيف يمكن للتفاعلات البيئية غير المتوقعة أن تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

ومع مزيد من الدراسات، قد نكتشف أن هناك العديد من الأنواع الأخرى التي تلعب أدوارًا مماثلة في تفاعلها مع البيئة بطرق غير معروفة حتى الآن.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *