ماذا حدث؟
في الجزائر، لا تزال النساء في مناطق عديدة، خاصة تلك التي تسيطر عليها الأنظمة القبلية، محرومات من حقهن الشرعي في الميراث بسبب وثيقة تاريخية تُعرف بـ”وثيقة كوكو”، التي وُقّعت عام 1749 في قرية لجمعة نسهاريج بولاية تيزي وزو.
هذه الوثيقة، التي نُسبت إلى مملكة كوكو الأمازيغية، نصت على منع انتقال الأراضي إلى “أغراب” خارج العائلة أو القبيلة، مما أدى إلى حرمان النساء من ميراث الأراضي.
تعود القصة إلى بحارة من الجيش العثماني احتُجزوا في الأندلس لأكثر من 20 عامًا، وعند عودتهم وجدوا زوجاتهم تزوجن رجالًا آخرين، مما أدى إلى نزاعات وحرب أهلية.
نتيجة لذلك، أصدر أعيان جبال جرجرة قرارًا بحرمان النساء من الأراضي للحفاظ على ملكية العائلة.
هذا التقليد توارثته أجيال، وامتد ليشمل ليس فقط الأراضي بل أحيانًا الميراث بأكمله في بعض العائلات، خاصة في مناطق تيزي وزو، والبويرة، وبجاية.
ومع أن القانون الجزائري وقانون الأسرة (رقم 84-11 لعام 1984) يكفلان حق المرأة في الميراث وفق الشريعة الإسلامية، إلا أن الأعراف القبلية لا تزال تهيمن، مما يدفع النساء لمواجهة إخوانهن في المحاكم.
تشير دراسات إلى أن 70% من القضايا في المحاكم الجزائرية تتعلق بنزاعات الميراث، وغالبًا ما تؤدي إلى تفكك الأسر.
لماذا هذا مهم؟
حرمان النساء من الميراث ليس مجرد انتهاك لحقوق قانونية وشرعية، بل هو ظلم اجتماعي يعزز التفاوت بين الجنسين ويؤدي إلى تفكك الأسر.
وثيقة كوكو، رغم قدمها، أثرت على ثقافة مجتمعات قبلية في الجزائر وحتى في أجزاء من المغرب العربي، حيث أصبحت الأرض رمزًا للهيمنة الذكورية، وتُحرم النساء منها بحجة منع انتقالها إلى أزواج “أجانب”.
هذا الحرمان يتجاوز الأراضي أحيانًا ليشمل كامل التركة، مما يضع النساء في وضع اقتصادي هش، خاصة المطلقات أو الأرامل.
هذه الظاهرة تُفاقم العنف الأسري، حيث تُسجل قضايا تزوير، وتهديد، وحتى محاولات قتل في المحاكم.
كما أن استمرار هذه الأعراف يعيق تقدم الجزائر نحو المساواة، رغم تصديقها على اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة عام 1996.
المجتمع المدني لم يقم بدوره الكافي في توعية النساء بحقوقهن، خاصة في المناطق الريفية حيث الأمية والتقاليد تعيق المطالبة بالحقوق.
ماذا بعد؟
لمعالجة هذا الظلم، يجب تعزيز التوعية بحقوق المرأة في الميراث من خلال حملات مجتمعية وتعليمية، خاصة في المناطق القبلية.
كما ينبغي للمجتمع المدني والمنظمات النسوية، مثل اتحاد النساء الجزائريات، تنظيم ورش عمل ميدانية لتثقيف النساء حول حقوقهن القانونية والشرعية.
كما يتعين على الحكومة تفعيل قانون الأسرة بصرامة، مع فرض عقوبات على منتهكي حقوق النساء في الميراث، ودعم المحاكم بموارد لتسريع البت في القضايا.
ويمكن لتشجيع الأولياء على تقسيم التركة قبل الوفاة أن يقلل النزاعات.
دور الأئمة ورجال الدين حاسم في مواجهة الفتاوى المتوارثة التي تتعارض مع الشريعة، من خلال الترغيب والترهيب.
على المدى الطويل، يتطلب الأمر تغييرًا ثقافيًا للقضاء على الأعراف الذكورية، مع تعزيز المساواة بين الجنسين في التعليم والاقتصاد، فإذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة، ستستمر النزاعات العائلية في تفكيك الأسر وتعميق التمييز، مما يعرقل التنمية الاجتماعية في الجزائر.