كتب- محمد النجار:
ماذا حدث؟
في ظل تصاعد المد المحافظ في الولايات المتحدة، شهدت البلاد موجة متزايدة من القوانين التي تهدف إلى الحد من الوصول إلى المحتوى الإباحي، لا سيما للقاصرين.
منذ عام 2023، أقرت 19 ولاية أميركية، من بينها لويزيانا، ويوتا، وتكساس، وألاباما، وفلوريدا، وجورجيا، تشريعات تلزم المواقع الإباحية بالتحقق من عمر المستخدمين قبل السماح لهم بالدخول، عبر استخدام بطاقات الهوية الرسمية أو فرض حجب افتراضي للمواقع الإباحية من قبل مزودي خدمة الإنترنت، مع إمكانية إلغاء الحظر عند الطلب.
بالتوازي مع ذلك، أعلنت 16 ولاية أميركية، من بينها ميزوري، ومونتانا، وأريزونا، وفيرجينيا، وبنسلفانيا، أن التعرض للمواد الإباحية يشكل “قضية صحية عامة”، مما يعكس تحولا في الخطاب العام حول تأثير هذه الصناعة.
وبفعل هذه الضغوط، لجأت بعض المنصات الإباحية الكبرى، مثل “بورنهاب”، إلى اتخاذ تدابير استباقية، أبرزها حجب الوصول إلى خدماتها داخل ولايات مثل يوتا، في محاولة للاعتراض على هذه القوانين التي وصفتها بأنها غير عملية وتهدد خصوصية المستخدمين.
لماذا هذا مهم؟
هذه الموجة التشريعية لم تأتِ من فراغ، بل تعكس تصاعد نفوذ التيار المحافظ في الولايات المتحدة، خاصة مع فوز الحزب الجمهوري بأغلبية المقاعد في الكونغرس وتعزيز حضوره في حكومات الولايات.
يرى المحافظون، بدعم من الجماعات الدينية، أن هذه الإجراءات جزء من “معركة أخلاقية” لحماية المجتمع والأسرة من التأثيرات السلبية للمحتوى الإباحي، الذي يعتبرونه عاملاً في تفكك الروابط الأسرية، وانتشار الإدمان السلوكي، وتعزيز النزعات العنيفة ضد النساء.
دراسات حديثة أكدت أن استهلاك المحتوى الإباحي في الولايات المتحدة في تصاعد، حيث ارتفع عدد المستخدمين المنتظمين بنسبة 6% خلال العقد الماضي.
وبينما لا تزال نسبة المشاهدة بين الرجال أعلى، فإن نسبة النساء المستهلكات لهذا النوع من المحتوى ازدادت بشكل ملحوظ، مما يعكس تحولات اجتماعية وثقافية تتجاوز البعد القانوني.
لكن هذا التوجه أثار أيضاً انتقادات حادة، حيث يرى معارضوه أنه يتجاوز مجرد حماية القاصرين، ليشكل خطوة أوسع نحو فرض رقابة صارمة على الإنترنت وتقويض الحريات الرقمية، كما يثير اشتراط تقديم هوية المستخدم مخاوف حول الخصوصية، إذ يخشى البعض من أن يتم تتبع نشاطهم الإلكتروني أو تسريب بياناتهم الشخصية.
ماذا بعد؟
مع استمرار هذا المد التشريعي، يبدو أن الحرب بين مؤيدي الرقابة الرقمية ومعارضيها ستشتد، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة.
إذا استمر الجمهوريون في تعزيز هيمنتهم السياسية، فقد نشهد مزيدًا من القوانين التي تفرض قيودًا أكثر صرامة على صناعة الإباحية، وربما تمتد إلى مجالات أخرى في الفضاء الرقمي.
في المقابل، من المرجح أن تتبنى المنصات الإباحية استراتيجيات جديدة للالتفاف على هذه القوانين، سواء من خلال تطوير أدوات تحقق هوية أكثر أمانًا، أو اللجوء إلى حلول تقنية مثل الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) لتجاوز الحجب.
أما على المستوى الثقافي، فمن المتوقع أن يستمر الجدل حول تأثير الإباحية على المجتمع، حيث سيواصل المحافظون الدفع باتجاه تشديد الرقابة، بينما يرى المدافعون عن الحريات الرقمية أن هذه التشريعات ليست سوى بداية لتدخل أوسع في حرية الإنترنت، قد يمتد ليشمل منصات التواصل الاجتماعي والمحتوى الترفيهي بشكل عام.