اللحوم البرية.. ماذا نعرف عن التجارة التي تهدد البيئة؟

#image_title #separator_sa #site_title

ماذا حدث؟

في وقت تتزايد فيه التحذيرات من الكوارث البيئية وانتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر، سلط تقرير علمي حديث الضوء على تجارة اللحوم البرية باعتبارها واحدة من أخطر الظواهر البيئية والصحية في عصرنا.

التقرير، الذي أعدّه متخصصون في الثروة الحيوانية والتنمية المستدامة، استغرق أكثر من عام من البحث الميداني والتحليل، وركز على مناطق ساخنة في قارتي أفريقيا وآسيا، معتمداً نهجاً جديداً غير مألوف: بدلاً من التركيز على الحيوانات أو المجتمعات الصيادة، تناول التقرير سلوك المستهلكين أنفسهم.

ويكشف التقرير أن تجارة اللحوم البرية تولّد مليارات الدولارات سنوياً، حيث تتراوح عائداتها بين مليار دولار في أفريقيا وأكثر من 74 مليار دولار من تربية الحيوانات البرية في الصين.

ومع ذلك، فإن هذا النشاط الاقتصادي الهائل يهدد بتقويض التنوع البيولوجي، ويغذي الأسواق غير القانونية، ويفتح الباب واسعاً لانتشار أوبئة خطيرة مثل الإيبولا وفيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV).

لماذا هذا مهم؟

تعد اللحوم البرية مصدر غذاء أساسي لملايين الأشخاص في المناطق الريفية الفقيرة، حيث يستهلك الأفارقة مثلاً ما يصل إلى 38 كجم سنوياً من اللحوم البرية للفرد الواحد، وهو معدل يفوق بكثير استهلاك اللحوم المزرعية.

غير أن المشكلة لا تكمن فقط في استهلاك هذه اللحوم، بل في الطريقة التي تُجمع بها، فمقارنة باللحوم المزرعية المستخرجة من نحو 20 نوعًا فقط، تضم اللحوم البرية مئات الأنواع- أكثر من 500 نوع في أفريقيا وحدها.

ويُظهر التقرير أن الصيد الجائر يهدد بإفراغ الغابات من الحياة البرية، وأن الاتجار غير المشروع يتزايد عبر الإنترنت، مما يزيد من الضغط على الأنواع المهددة بالانقراض.

علاوة على ذلك، فإن تغير المناخ يجعل الزراعة التقليدية أكثر صعوبة، مما يدفع المجتمعات الفقيرة إلى العودة للصيد بحثاً عن مصادر بروتين بديلة.

ماذا بعد؟

يُحذر التقرير من أن حظر هذه التجارة بالكامل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، كأن يُدفع بها إلى العمل في الخفاء، أو أن تُجبر الأسر الفقيرة على خيارات غذائية أكثر خطورة.

ويقترح الباحثون حلاً أكثر توازناً: دعم البدائل المستدامة والمقبولة ثقافياً مثل أسماك البلطي، والأرانب، والجرذان القصب، وحتى الحلزونات العملاقة في أفريقيا.

كما يوصي التقرير بسياسات مبتكرة، مثل دفع إعانات مالية لمن يختار عدم الصيد، أو توزيع اللحوم البديلة المدعومة مجاناً في المجتمعات الريفية، وربما الأهم من ذلك، استخدام علم النفس السلوكي لتغيير النظرة الاجتماعية للحوم البرية، تماماً كما تغيرت نظرة البريطانيين إلى أكل الأعضاء الحيوانية في القرون السابقة.

في النهاية، لا يبدو أن صيد الحيوانات البرية سيختفي قريباً، لكنه بحاجة إلى تنظيم دقيق يحقق التوازن بين صحة الإنسان ورفاهية الحيوان واستدامة البيئة، فاللحوم البرية، رغم جذورها الثقافية العميقة، قد تكون سيفاً ذا حدين- إما أن تُستخدم بحكمة فتُبقي الطبيعة والإنسان على قيد الحياة، أو تُفرط في استغلالها فتقودنا إلى كارثة بيئية وصحية لا تُحمد عقباها.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *