كتب- محمد النجار:
لطالما حمل الصليب المقلوب معاني متباينة عبر التاريخ، فمن رمز للتقوى والاستشهاد إلى شعار للتمرد والشر.
بينما يتصدر الصليب المقلوب اليوم مشهد ثقافة الميتال والممارسات الطقوسية الغامضة، كان في الأصل رمزًا لقداسة واستشهاد القديس بطرس، أول باباوات الكنيسة الكاثوليكية، الذي صُلب مقلوبًا في عهد الإمبراطور الروماني نيرون عام 64 ميلاديًا.
من الاستشهاد إلى التحدي
وفقًا للتقليد المسيحي، طلب بطرس أن يُصلب بشكل مقلوب لأنه لم يرَ نفسه مستحقًا للموت بنفس الطريقة التي مات بها المسيح.
بقي الصليب المقلوب لقرون يُعرف بـ”صليب بطرس”، رمزًا للتواضع والتضحية، بل ارتبط ببابا الفاتيكان ذاته، حيث كان يُنظر إليه كعلامة للسلطة الروحية العليا.
لكن في القرن التاسع عشر، بدأ الصليب المقلوب يأخذ منحىً مختلفًا تمامًا، حيث استخدمه الفرنسي يوجين فنتراس كتحدٍّ للكنيسة الكاثوليكية، بعد أن أدانته المؤسسة الدينية بسبب ادعاءاته المثيرة للجدل.
اعتبر أتباعه أن الصليب المقلوب يمثل نهاية “عصر المعاناة” وبداية “عصر الحب”، وكان ذلك الشرارة الأولى لانحراف الرمز عن جذوره الدينية.
لاحقًا، عزز الكاتب إيليفاس ليفي هذا التحول من خلال كتاباته عن الطقوس الغامضة، مما أسهم في إدراج الصليب المقلوب ضمن الطقوس السحرية والشيطانية.
من الأدب إلى موسيقى الميتال
في أواخر القرن التاسع عشر، زاد الأدب الفرنسي من نشر صورة الصليب المقلوب كرمز شيطاني، خاصة من خلال رواية “لَابا” (Là-bas) للكاتب جيه كيه هويسمانز، التي تضمنت مشاهد طقوس “القداس الأسود” التي لعب فيها الصليب المقلوب دورًا رئيسيًا.
ومنذ ذلك الحين، بدأ الرمز بالارتباط تدريجيًا بعبادة الشيطان، ليصبح أيقونة للتحدي والتمرد على الأديان.
في العصر الحديث، تبنت ثقافة موسيقى الميتال هذا الرمز بكثافة، حيث استخدمته فرق مثل “سلاير”، “بيهموث”، و”كريدل أوف فيلث” في تصاميمهم وأدائهم المسرحي، ما جعله رمزًا للاستفزاز والتمرد أكثر منه شعارًا عقائديًا، حتى أن بعض الفرق، مثل “بلاك ساباث”، نفت صلتها به، مؤكدة أنه كان مجرد حيلة تسويقية لإثارة الجدل.
تبنّيه من قبل الجماعات الشيطانية
اليوم، يعد الصليب المقلوب عنصرًا أساسيًا في رمزية العديد من الجماعات الشيطانية مثل “كنيسة الشيطان” و”معبد الشيطان”.
في احتفالاتهم وطقوسهم، يظهر الصليب المقلوب خلف المذابح المضيئة بالنيون، تعبيرًا عن رفض السلطة الدينية والتأكيد على حرية الإرادة.
يقول المتحدث باسم معبد الشيطان، ديكس ديجاردينس، إن استخدام الصليب المقلوب يعكس رغبة أعضائهم في تحدي المفاهيم التقليدية، خصوصًا لأولئك الذين نشأوا وسط بيئات دينية صارمة.