ماذا حدث؟
في مشهد جديد من الصراع العالمي حول حوكمة المنصات الرقمية، تصاعدت التوترات بين القضاء البرازيلي وشركات التواصل الاجتماعي الأمريكية في فبراير 2025.
رفعت شركتا Trump Media & Technology Group وRumble دعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد القاضي البرازيلي ألكسندر دي مورايس، بعد أن أمر بتعليق حسابات على منصتيهما بسبب ارتباطها بحملات تضليل إعلامي في البرازيل.
جاءت هذه الخطوة بعد محاولات سابقة من قبل منصة X (تويتر سابقًا) لمقاومة قرارات مماثلة في البرازيل، مما يعكس توجّهًا متزايدًا من قبل الشركات الأمريكية للطعن في القوانين التنظيمية للدول الأخرى باستخدام النظام القانوني الأمريكي.
في قلب هذه القضية يقف آلان دوس سانتوس، المؤثر البرازيلي اليميني المتطرف، الذي فر إلى الولايات المتحدة عام 2021 بعد صدور مذكرة توقيف بحقه بتهمة تنسيق شبكات التضليل الإعلامي والتحريض على العنف.
ورغم مطالبات البرازيل بتسليمه، لم تتجاوب السلطات الأمريكية، معتبرة أن قضيته تتعلق بحرية التعبير وليس بجريمة جنائية.
لماذا هذا مهم؟
تعكس هذه القضية تصعيدًا جديدًا في الصراع بين الحكومات والمنصات الرقمية حول المساءلة والتنظيم، إذ تحاول الشركات الأمريكية الكبرى، مثل X وMeta وGoogle، إضعاف القوانين الوطنية التي تهدف إلى الحد من التضليل الإعلامي والتطرف الإلكتروني عبر استخدام القانون الأمريكي كوسيلة دفاع.
يُنظر إلى هذا النهج على أنه شكل جديد من “الإمبريالية الرقمية” حيث تُفرض المبادئ القانونية الأمريكية على دول ذات سيادة، متجاهلة خصوصياتها القانونية والاجتماعية.
لم يكن هذا التحدي الأول من نوعه؛ فالبرازيل، على سبيل المثال، واجهت مقاومة شديدة من قبل شركات التكنولوجيا منذ عام 2020، حينما سعت إلى تمرير قانون “الأخبار الكاذبة”، الذي يهدف إلى محاسبة المنصات على نشر المعلومات المضللة.
قاومت الشركات ذلك عبر حملات ضغط مكثفة، حيث وضعت Google إشعارات تحذر المستخدمين من مخاطر القانون، بينما شنت Meta حملات إعلانية لانتقاده، ما أدى إلى إضعافه وتأجيله.
الجديد في هذا الصراع هو الانتقال من الضغوط السياسية واللوبيات إلى المعارك القانونية المباشرة داخل المحاكم الأمريكية، مما يهدد بخلق سابقة قانونية قد تؤثر على قدرة الحكومات في أي مكان بالعالم على تنظيم الفضاء الرقمي.
ماذا بعد؟
المعركة القانونية الدائرة حاليًا بين البرازيل والمنصات الأمريكية ليست سوى جزء من صراع أوسع حول مستقبل تنظيم الفضاء الرقمي، فالاتحاد الأوروبي، عبر قانون الخدمات الرقمية، والمملكة المتحدة، عبر قانون السلامة على الإنترنت، يسعيان أيضًا إلى فرض قيود على الشركات التقنية لضمان بيئة رقمية آمنة وخاضعة للمساءلة.
غير أن هذه الجهود تواجه تحديات مماثلة، خاصة مع تصاعد نفوذ الأوساط السياسية الداعمة لحرية التعبير المطلقة في الولايات المتحدة.
ما يجعل هذا التحدي أكثر تعقيدًا هو تداخل المصالح بين الشركات الكبرى والإدارة السياسية الأمريكية، فترامب، الذي امتلك 53% من أسهم “Trump Media” قبل نقلها إلى صندوق استئماني في ديسمبر 2024، وإيلون ماسك، المالك المتشدد لمنصة X، لديهما أجندة سياسية تتقاطع مع المصالح التجارية لهذه الشركات، مما يجعل معركة التنظيم أكثر ارتباطًا بالسياسة الدولية.