ماذا حدث؟
شهدت أوروبا في عام 2024 أسوأ تفشي لمرض الحصبة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، حيث سجلت منظمة الصحة العالمية 127,350 حالة إصابة، وهو ضعف العدد المسجل في عام 2023.
هذا التصاعد المقلق دفع الدكتور هانز كلوج، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا، إلى التحذير قائلاً: “الحصبة عادت، وهذه دعوة للاستيقاظ.. فبدون معدلات تطعيم مرتفعة، لا يوجد أمن صحي”.
ووفقًا للتقارير، توفي 38 شخصًا بسبب المرض العام الماضي، معظمهم من غير المطعمين.
تنتقل الحصبة عبر الرذاذ التنفسي والهواء، تمامًا كما هو الحال مع فيروس كورونا، لكنها أكثر عدوى منه، إذ إن الشخص المصاب يمكنه نقل الفيروس إلى ما بين 12 و18 شخصًا آخرين.
وتؤدي الحصبة إلى أعراض خفيفة مثل الطفح الجلدي والحمى، لكنها قد تتطور إلى مضاعفات خطيرة مثل التهاب الدماغ، والالتهاب الرئوي، والعمى
وتوضح البيانات أن الغالبية العظمى من الحالات التي احتاجت إلى دخول المستشفى أو انتهت بالوفاة كانت بين غير المطعمين.
لماذا هذا مهم؟
المأساة أن الحصبة من الأمراض التي يمكن الوقاية منها بشكل شبه كامل عبر التطعيم، إذ توفر جرعتان من اللقاح حماية تتجاوز 99%، ومع ذلك، يتطلب تحقيق مناعة القطيع تطعيم نحو 95% من السكان، وهو ما لم يتحقق في بعض الدول الأوروبية.
في رومانيا، التي سجلت وحدها أكثر من 30 ألف إصابة، لم تتجاوز معدلات التطعيم 50% على مدى السنوات الخمس الماضية، بينما بقيت أقل من 80% في دول مثل البوسنة والهرسك، الجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية.
ويأتي هذا الانخفاض في نسب التطعيم كنتيجة مباشرة لحملات التضليل المنتشرة، حيث لعبت المعلومات المغلوطة دورًا رئيسيًا في تقليص ثقة الجمهور باللقاحات.
ولا يزال تأثير الدراسة المزورة التي نشرها الطبيب البريطاني أندرو ويكفيلد عام 2002 يلاحق الصحة العالمية، رغم سحبها لاحقًا من مجلة “ذا لانسيت”.
كما أن تصريحات شخصيات بارزة مثل روبرت كينيدي، الذي تم تعيينه مؤخرًا وزيرًا للصحة في إدارة ترامب، تواصل تعزيز الخطاب المناهض للتطعيم، رغم مخالفتها للأدلة العلمية التي تؤكد سلامة اللقاح.
ماذا بعد؟
الوضع الحالي يستدعي تحركًا عاجلًا من الحكومات والمنظمات الصحية لإعادة بناء الثقة في اللقاحات ومواجهة الحملات المضادة.
منظمة الصحة العالمية أكدت أن “فيروس الحصبة لا يرتاح، وكذلك يجب أن نكون نحن”، في دعوة واضحة للسلطات والمجتمع الدولي لوقف تفشي المرض.
في الوقت ذاته، تتزايد المخاوف من أن استمرار التضليل وغياب حملات التوعية قد يؤديان إلى المزيد من الوفيات، خاصة مع استمرار بعض الجهات في نشر الادعاءات الكاذبة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
المرحلة المقبلة تتطلب استراتيجية موحدة لرفع معدلات التطعيم، وإعادة بناء الثقة، ووقف سيل الأكاذيب الذي قد يفتح الباب أمام كوارث صحية جديدة، ليس في أوروبا وحدها، بل في العالم أجمع.