أحمد فؤاد نجم.. الشاعر الذي حول السجن إلى مدرسة للثوار

كتب – ياسين أبو العز

يُعتبر أحمد فؤاد نجم، أحد أبرز شعراء مصر في القرن العشرين، رمزًا للشجاعة الأدبية والمقاومة الفكرية، فقد اختار أن يكون “صعلوكًا” في عالم الأدب، ولا يتردد في مواجهة الأنظمة السياسية الجائرة بأشعاره الصادمة، التي كانت أشبه بالسهام في قلب السلطة. أصبح نجم أشهر من نار على علم ليس فقط بسبب شعره، بل لأنه دفع ثمن حرية التعبير بالسجن، مُرغمًا على تحمل العواقب الوخيمة لجرأته في قول ما يعجز الآخرون عن قوله.

أحمد فؤاد نجم

وُلد أحمد فؤاد نجم في 23 مايو 1929 في قرية “كفر أبو نجم” بمحافظة الشرقية، لعائلة فقيرة لم تكن تهتم بالأدب والفنون. لكن رغم نشأته البسيطة في بيئة ريفية، اختار نجم أن يكون له صوت في الساحة الأدبية والفكرية. وتميز في صغره بحب الشعر واهتم بالمفردات القوية والجمل البليغة، حتى أصبح من أبرز شعراء العامية المصرية الذين أثَّروا في جيل كامل من المثقفين والشعراء.وعُرف عن أحمد فؤاد نجم أنه كان دائمًا صاحب المواقف الجريئة والآراء القوية، وكان لا يتردد في نقد السلطة والنظام الحاكم في مصر، وهو ما جعل شعره يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضايا الوطنية والاجتماعية.

شعره

شعره وجسارته في التعبير جعلاه من أبرز الأعلام في تاريخ الأدب المصري، وترك إرثًا ثقافيًا يظل حاضرًا في الذاكرة الشعبية والذهنية الوطنية.وتميزت أشعار أحمد فؤاد نجم بقدرتها على التعبير عن هموم الشعب المصري والفقراء والمهمشين، بأسلوبٍ يعكس بساطة الكلمات وصدق العاطفة، ولكنه في الوقت نفسه كان يستخدم لغةً حادةً وساخرة، تعكس موقفه الثابت من النظام السياسي الحاكم. واستخدم نجم العامية المصرية بشكل قوي، حيث كان ينظم أشعاره على لسان البسطاء من الناس، ونجح في أن يكون شعره جزءًا من نبض الشارع المصري، يعبر عن آماله وآلامه في مواجهة الظلم.ومن أبرز قصائده كانت “الحرية” و”الأستاذ” و”الليلة الكبيرة”، التي تناولت هموم المصريين والمظالم التي يتعرضون لها. شعره لم يكن مجرد كلمات تُكتب، بل كان بمثابة صرخة في وجه الاستبداد، دعوة للثوار والمهضومين للوقوف ضد قوى الظلم.

سجنه

كان من الطبيعي أن يواجه أحمد فؤاد نجم التحديات بسبب شعره الذي يُعتبر كالسهم في قلب السلطة. ففي عام 1959، بدأ نجم يكتب أشعارًا تُظهر اعتراضه على النظام الحاكم برئاسة جمال عبد الناصر، واعتُبر ذلك بمثابة تحدٍ للسلطة. وفي العام نفسه، تم اعتقاله بتهمة نشر قصائد تنتقد النظام، ليبدأ مسيرة طويلة من الاعتقالات والسجون.وبالرغم من تعرضه للتعذيب والحرمان، إلا أن نجم استمر في مقاومته، وظل يكتب الشعر المعارض. وكانت فترات سجنه الطويلة، التي امتدت لأكثر من عشر سنوات في فترات متفرقة، جزءًا من تكوينه الشخصي والفني، بل وقد تحولت السجون إلى “مدارس” تعلم فيها المزيد من القيم والمبادئ التي تشبث بها، وكان يكتب فيها قصائده التي تفضح الممارسات القمعية وتدافع عن حقوق الإنسان.ورغم تعرضه للسجن، لم يكن نجم في أي يوم من الأيام مُستسلمًا للواقع، بل على العكس، كان سجنه يشحذ همته للكتابة أكثر وأكثر، ونجح في أن يصبح أحد أبرز الأصوات الشعرية في العالم العربي.

ثقافة التمرد

إن شعر أحمد فؤاد نجم لم يكن فقط نقدًا اجتماعيًا، بل كان بمثابة تمردٍ على كل القيم السائدة في المجتمع المصري، بل والمجتمع العربي بشكل عام. وكان يرى في الأدب والفن سلاحًا أقوى من أي سلاح آخر، ولذلك، أصرَّ على أن يكون شعره أداة للمقاومة ضد الظلم بكل أنواعه. ورغم أن الكثيرين حاولوا تهميشه أو اعتقاله، كان تأثيره الثقافي والسياسي لا يُقاس.أحمد فؤاد نجم كان مؤمنًا بأن الشعر هو أداة لنقل الحقيقة حتى وإن كانت مُرة، ولم يتراجع أبدًا عن آرائه. وشعره كان يحتوي على رسائل قوية ضد الفساد، ويدعو إلى التغيير الاجتماعي والسياسي.

التأثير الثقافي والفني

كان لأحمد فؤاد نجم تأثيرًا كبيرًا على الأجيال الجديدة من الشعراء والمفكرين. فشعره أثار فضول الأدباء والمثقفين، كما ألهم الكثيرين بالتمرد على القواعد الاجتماعية والسياسية التي كانت تكبل حرية التعبير. وتعد أغانيه التي كانت تلحن وتؤدى بصوت الشيخ إمام عيسى من أشهر الملاحم الغنائية التي ظهرت في السبعينات، حيث شكَّلت هذه الأغاني امتدادًا مباشرًا لثقافة التمرد التي نادى بها.ورغم انتقاله إلى عالم آخر في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2013، إلا أن أحمد فؤاد نجم ترك بصمته العميقة في الأدب والفكر العربي، وظل صوته يُسمع في كل زاوية من زوايا الشارع المصري، حتى أصبح رمزًا لا يُنسى للمقاومة الثقافية.أحمد فؤاد نجم كان أكثر من مجرد شاعر، بل كان رمزًا للشجاعة في مواجهة الظلم والتسلط، إنه الصعلوك الذي دفع ثمن شعره في السجن، لكنه لم يُنْهَك، بل ظل صوتًا حقيقيًا للشعب المصري.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *