ماذا حدث؟
بعد ثلاثة أشهر فقط من سقوط نظام بشار الأسد، شهدت سوريا تصاعدًا غير مسبوق في العنف، حيث اندلعت اشتباكات دامية الأسبوع الماضي بين الحكومة الجديدة التي يقودها الإسلاميون ومقاتلين موالين للنظام السابق في معاقل الأسد السابقة، أبرزها محافظة اللاذقية.
هذه المواجهات، التي استمرت أربعة أيام، أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، معظمهم من المدنيين، وشملت مجازر طائفية تعيد للأذهان مشاهد الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد لسنوات.
وفيما أعلنت الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع نجاحها في احتواء التمرد، لا تزال تداعيات هذه المواجهات تهدد استقرار سوريا، التي تعاني أصلًا من انقسامات سياسية وجغرافية عميقة، مع استمرار التوترات في الجنوب بسبب التوغلات الإسرائيلية، واشتباكات في الشمال بين القوات المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية.
لماذا هذا مهم؟
الصراع الأخير في اللاذقية ليس مجرد معركة عسكرية، بل مؤشر على هشاشة الوضع السوري بعد سقوط الأسد، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة الجديدة على فرض سيطرتها وتوحيد البلاد.
إلى جانب الخسائر البشرية، أثار العنف الطائفي قلقًا واسعًا بشأن إمكانية اندلاع حرب أهلية جديدة، خاصة مع توتر العلاقات بين الطوائف المختلفة.
العلاقات بين الحكومة الجديدة والأقليات لا تزال متباينة؛ فبينما نجحت في تعزيز علاقاتها مع الإسماعيليين والمسيحيين في بعض المناطق، تبقى العلاقة متوترة مع الطائفة العلوية، التي تشعر بالقلق من عمليات انتقام أو تهميش اقتصادي.
إضافة إلى ذلك، رغم توقيع اتفاق بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية لدمج الأخيرة ضمن الجيش السوري، إلا أن المفاوضات لا تزال محفوفة بالعقبات، حيث تتباين رؤى الطرفين حول مستقبل الحكم في سوريا.
ووسط هذه التوترات، يستمر النظام في رفع شعار استهداف فلول النظام السابق والميليشيات الإيرانية، مما يعكس محاولات الحكومة فرض سيطرتها في ظل بيئة أمنية غير مستقرة، ويفتح الباب للميلشيات التابعة للنظام في الانتقام من معارضي النظام تحت مسمى “محاربة الفلول”.
ماذا بعد؟
السؤال الذي يطرح الآن هو: هل تستطيع الحكومة الجديدة تحقيق السلام والاستقرار في سوريا أم أن البلاد ستنزلق مجددًا نحو دوامة العنف؟
تحقيق الاستقرار يتطلب معالجة الملفات العالقة، مثل تحقيق العدالة الانتقالية، وطمأنة الأقليات، ودمج الفصائل المسلحة ضمن مؤسسة عسكرية وطنية، وهي تحديات لا تزال بعيدة عن الحل.
الضغوط الدولية قد تلعب دورًا في تحديد المسار المقبل، إذ يراقب المجتمع الدولي الوضع عن كثب، خاصة مع ورود تقارير أممية عن انتهاكات خطيرة بحق المدنيين.
في حال فشلت الحكومة في ضبط الأمن وتحقيق المصالحة، فقد تواجه سوريا موجة جديدة من العنف، تهدد بتمزيق ما تبقى من نسيجها الاجتماعي.
بين التحديات الداخلية والتدخلات الخارجية، يبدو أن طريق الاستقرار في سوريا لا يزال طويلًا، فهل ستتمكن القيادة الجديدة من احتواء الصراع، أم أن شبح الحرب الأهلية سيعود ليخيم على البلاد مجددًا؟