ماذا حدث؟
في خطوة قد تُعيد رسم المشهد السياسي والعسكري في السودان، أعلن الجيش السوداني إحكام قبضته على القصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم بعد معارك طاحنة ضد قوات الدعم السريع.
التحركات الأخيرة للجيش لم تقتصر على قلب الخرطوم فقط، بل امتدت إلى مواقع استراتيجية أخرى، أبرزها السيطرة على المقر الرئيسي للبنك المركزي، وعدد من المرافق الحيوية مثل فندق كورنثيا وبرج التعاونية ومصرف الساحل والصحراء، إضافة إلى مقار جهاز المخابرات الوطني وسط العاصمة.
كما تقدمت وحدات الجيش إلى جزيرة توتي وقامت بعمليات تمشيط واسعة، بحثاً عن فلول لقوات الدعم السريع.
وفيما بدا أنه تحول جذري في سير العمليات، كثف الجيش السوداني هجماته انطلاقاً من قاعدة وادي سيدنا، مستهدفاً مواقع تمركز قوات الدعم السريع في ضواحي الخرطوم، خاصة قرب مطار العاصمة الدولي.
ووفق تصريحات العميد نبيل عبد الله، المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، فإن الجيش استطاع القضاء على مئات العناصر من قوات الدعم السريع، الذين حاولوا الفرار من العاصمة.
وجاءت هذه التطورات متزامنة مع إعلان قوات الدعم السريع عن تشكيل “حكومة موازية” في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ما قوبل برفض قاطع من قبل الحكومة الشرعية في بورتسودان ومن المجتمع الدولي.
لماذا هذا مهم؟
تكمن أهمية سيطرة الجيش السوداني على القصر الجمهوري ليس فقط في كونه إنجازاً عسكرياً، بل في كونه يحمل دلالات سياسية قوية. القصر الجمهوري في الخرطوم هو الرمز الأبرز للسيادة الوطنية ومركز صنع القرار في البلاد.،وقد مثّل فقدانه لصالح قوات الدعم السريع، قبل نحو عامين، هزة كبيرة للحكومة الشرعية، وكرّس حالة من الفراغ السياسي والانقسام داخل الدولة.
من جانبها، أوضحت واشنطن موقفها الرافض لمشروع “الحكومة الموازية” الذي أعلنت عنه قوات الدعم السريع في نيروبي، حيث ترى الولايات المتحدة أن الجيش السوداني ما زال يمتلك الشرعية الرسمية، وتؤيد جهوده في إعادة فرض النظام في البلاد.
سيطرة الجيش على قلب العاصمة تعني كذلك أنه بات على مقربة من تأمين مطار الخرطوم الدولي ومداخل العاصمة الاستراتيجية، وهو ما قد يشكل نقطة تحول ميدانية لصالحه، ويقوي مركزه التفاوضي في أي محادثات سلام قادمة.
ماذا بعد؟
المشهد السوداني، رغم هذا التحول العسكري الواضح، لا يزال ضبابياً ومفتوحاً على كافة الاحتمالات، فبينما يحقق الجيش السوداني مكاسب على الأرض، لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على جيوب واسعة في غرب البلاد ودارفور، كما تحتفظ بقدرة على شن هجمات مضادة في مناطق أخرى.
التحدي الأكبر الذي يواجه الجيش الآن لا يقتصر على الانتصارات العسكرية، بل يمتد إلى كيفية استثمار هذا التقدم في تعزيز الاستقرار السياسي وتحقيق انتقال سلمي للسلطة.
ووفقاً لتحليلات خبراء، فإن الجيش قد يتجه في الفترة المقبلة لتشكيل حكومة مدنية انتقالية تكون واجهة سياسية لإدارة البلاد في المناطق التي تخضع لسيطرته.
لكن التحديات الإنسانية تمثل كابوساً قائماً، فبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن الصراع الممتد منذ عام قد أسفر عن أزمة إنسانية غير مسبوقة في السودان، حيث يعيش الملايين من السكان في ظروف معيشية كارثية بسبب الجوع والأمراض ونقص الرعاية الصحية. كما يُتّهم طرفا النزاع بارتكاب انتهاكات جسيمة تصل إلى حد جرائم الحرب، وهو ما ينذر بإمكانية تعقيد الأوضاع، سواء عبر تدخلات خارجية أو بروز حركات مسلحة جديدة في الإقليم.
السيناريو الآخر المطروح، بحسب متابعين، هو أن تستمر قوات الدعم السريع في اتباع سياسة “حرب العصابات” وتكثيف الهجمات على خطوط الإمداد والمراكز الحيوية في الخرطوم وغيرها من المدن الكبرى، ما يعني أن البلاد قد تدخل في مرحلة جديدة من الصراع الطويل الأمد، رغم المكاسب الأخيرة التي حققها الجيش.