ماذا حدث؟
في خطوة جديدة تعكس محاولات كسر الجمود الدبلوماسي، أعلنت الولايات المتحدة وإيران عن عقد مفاوضات نووية في سلطنة عمان.
هذا الحدث، رغم ضبابية تفاصيله، يُعدّ تطورًا لافتًا في علاقة اتسمت لعقود بالتوتر والعداء، وبينما أكدت واشنطن أن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف سيلتقي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مباشرة، شددت طهران على أن المحادثات ستكون عبر وسطاء، معتبرة أن “الكرة الآن في ملعب أمريكا”.
رغم التناقض في الرسائل، تشكل هذه المحادثات فرصة نادرة وسط تصاعد التهديدات المتبادلة، إذ صرّح دونالد ترامب بأن فشل المفاوضات سيجعل إيران في “خطر عظيم”، بينما التقى مسؤولون إيرانيون بنظرائهم من روسيا والصين في موسكو، في إشارة إلى تشكيل جبهة مضادة للضغط الأمريكي.
لماذا هذا مهم؟
تأتي هذه المفاوضات في لحظة جيوسياسية حرجة، فمن جهة، تسعى إدارة ترامب لاستئناف الضغط على طهران ضمن رؤيته لتوسيع اتفاقات أبراهام مع دول عربية جديدة، وعلى رأسها السعودية، في إطار خلق توازن إقليمي مضاد لإيران.
ومن جهة أخرى، تواجه إيران أزمة اقتصادية خانقة، مع ارتفاع معدلات الفقر والتضخم، وانهيار العملة المحلية، ما يجعلها في أمسّ الحاجة لتخفيف العقوبات والحصول على تنازلات اقتصادية.
لكن الطريق ليس مفروشًا بالورود؛ إذ يعاني الطرفان من أزمة ثقة عميقة، فانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018، وغياب أي ضمانات اقتصادية ملموسة لإيران حتى الآن، يضعفان احتمالات التوصل لاتفاق جديد، كما أن الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، خاصة في ملف غزة، يُعد استفزازًا صارخًا لطهران، ويُهدد بإفشال أي تفاهم قبل أن يبدأ.
يُضاف إلى ذلك تعقيد المشهد الداخلي الإيراني، حيث يتنازع “الإصلاحيون” و”المتشددون” على توجهات البلاد، فبعد انتخاب الرئيس مسعود بزشكيان، المحسوب على التيار الإصلاحي، بدا أن نافذة الحوار انفتحت، لكن سرعان ما أُجبر أبرز رموزه على الاستقالة، ما أضعف موقفه التفاوضي لصالح الحرس الثوري وخط المحافظين المتشدد.
ماذا بعد؟
المفاوضات لن تكون اختبارًا فقط للنيات، بل لموازين القوى أيضًا، فإيران، المُنهكة اقتصاديًا والمُحاصرة دبلوماسيًا، تدخل الطاولة بأوراق ضعيفة، لكن بقدرة كامنة على التصعيد عبر وكلائها في المنطقة.
أما واشنطن، فتحاول استثمار تراجع النفوذ الإيراني وتحقيق مكاسب استراتيجية تعزز مشروعها الإقليمي، لكن دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة قد تجر المنطقة إلى فوضى شاملة.
نجاح هذه المفاوضات سيتوقف على قدرة الطرفين في تجاوز الحواجز النفسية والسياسية، وتقديم تنازلات ملموسة، فإيران تريد رفعًا فعليًا للعقوبات، وضمانات دولية لا يمكن التنصل منها، أما واشنطن، فتسعى لضمانات صارمة بعدم تطوير إيران لسلاح نووي، وربما إعادة هيكلة الدور الإيراني في الإقليم.
في النهاية، تبقى سلطنة عمان ساحة الاختبار الصعبة لنية التهدئة، بين عقلانية الجغرافيا السياسية وتهديدات حافة الهاوية، وإذا لم تنجح الجولة الحالية، فإن المنطقة قد تدخل في فصل جديد من التصعيد، قد لا تخرج منه سالمة هذه المرة.