ماذا حدث؟
شهدت الساحة السورية سقوط نظام بشار الأسد، ما أربك حسابات القوى الإقليمية والدولية كافة، وفي مقدمتها الصين.
بكين التي بنت علاقتها مع دمشق على أسس من الدعم الدبلوماسي والدفاع عن “سيادة سوريا” كانت تراهن على استقرار النظام لتحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية، لكن انهيار الأسد في ديسمبر الماضي غيّر المعادلة، ودفع الصين إلى التحرك بسرعة لإعادة تموضعها في سوريا الجديدة.
بعد أسبوع فقط من سقوط النظام، عبّر وزير الخارجية الصيني وانغ يي عن “قلقه العميق” من احتمال استغلال الجماعات الإرهابية للفوضى، لتتوالى بعدها الزيارات واللقاءات بين مسؤولي البلدين، في مشهد يعكس مرونة صينية في التعاطي مع المتغيرات الجيوسياسية.
ومنذ ذلك الحين، بدأت بكين في توسيع علاقاتها مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، دون أن تغفل عن هواجسها من وجود مقاتلين من أقلية الإيغور المسلمة في صفوف الحكومة الجديدة.
لماذا هذا مهم؟
تشير تطورات الموقف إلى أن الصين لم تعد تكتفي بلعب دور المراقب في الشرق الأوسط، بل باتت تسعى لترسيخ نفوذها كقوة مؤثرة، خصوصاً في دول ما بعد الصراع.
ويشرح غرانت روملي، الباحث في معهد واشنطن، أن “الانخراط الصيني في سوريا يعكس ديناميكية جديدة في تنافس القوى العظمى، حيث لا تملك موسكو اليوم الثقل الاقتصادي الذي تمتلكه بكين لتُعيد بناء دولة منهكة من 14 عاماً من الحرب”.
أحد أهم دوافع الصين هو الخوف من المقاتلين الإيغور الذين قاتلوا في صفوف المعارضة السورية، والذين يُعتقد أن بعضهم يشغل الآن مناصب حساسة في الحكومة الجديدة، ومن بينهم قادة سابقون في “الحزب الإسلامي التركستاني”.
وتحاول الصين اليوم من خلال أدوات دبلوماسية واقتصادية احتواء هذا التهديد، حيث عقدت أربع لقاءات رفيعة المستوى مع الحكومة المؤقتة، تضمنت عروضاً للاستثمار في الزراعة والبنية التحتية، إلى جانب دعوات صريحة لتكثيف التعاون في مكافحة الإرهاب.
ويرى آرون ي. زيلين، الباحث المتخصص في الحركات الجهادية، أن “سوريا تمثل تهديداً مؤجلًا لبكين، فبينما تبدو الحكومة الجديدة أكثر براغماتية من طالبان، فإن عودة الحزب الإسلامي التركستاني لتبني اسمه الأصلي (الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية) مؤشر على نية التركيز مجددًا على شن عمليات داخل الصين”.
ماذا بعد؟
السؤال المطروح اليوم هو: هل تنجح بكين في تحييد الخطر الإيغوري واحتواء دمشق الجديدة ضمن فضائها الاستراتيجي؟
رغم أن الصين قد تمكنت من توطيد علاقاتها بسرعة مع طالبان رغم ماضيها مع الجماعات الجهادية، إلا أن وضع سوريا مختلف، فالتيارات الإسلامية هناك أكثر تنوعًا، والمشهد أكثر تعقيدًا، كما أن نفوذ الدول الغربية لا يزال قائمًا.
يحذّر غرانت روملي من أن “تردد الولايات المتحدة في الانخراط الفعلي مع الحكومة السورية الجديدة قد يفتح الباب أمام بكين لتوسيع نفوذها على حساب المصالح الأمريكية في المشرق”.
ويقترح روملي خطة تتضمن تخفيف العقوبات، وتمديد التراخيص الاقتصادية، والعمل على كسب ثقة حكومة الشرع، ما قد يساهم في إبعاد سوريا عن المحور الصيني.
في المجمل، يبدو أن سوريا تدخل مرحلة جديدة من التحولات الجيوسياسية. فبعد سنوات من التبعية لإيران وروسيا، تلوح الآن فرصة لوصاية صينية ناعمة تستند إلى المال والمشاريع، لكنها لا تخلو من الهواجس الأمنية.. وبين تطلعات بكين ومخاوفها، ومراوغة دمشق، يبقى السؤال الأبرز: من يُمسك بمفاتيح الشام الجديدة؟