ماذا حدث؟
في خطاب مشترك أمام الكونغرس في 4 مارس، أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمسكه بأجندته الداخلية المثيرة للجدل، بينما لم يمنح السياسة الخارجية، خصوصًا تجاه الشرق الأوسط، سوى القليل من الاهتمام.
ومع ذلك، تستمر إدارته في اتخاذ خطوات تؤثر بشكل مباشر على حلفاء واشنطن في المنطقة.
أبرز تلك الخطوات دعم إسرائيل دون قيود، حيث وافقت الإدارة على سلسلة من صفقات الأسلحة الكبرى، بما في ذلك بيع ذخائر بقيمة 7.4 مليار دولار، وإلغاء مراجعة الكونغرس لبعض المبيعات العسكرية، وتسريع مساعدات طارئة بقيمة 4 مليارات دولار.
في الوقت نفسه، تبنّت الإدارة نهجًا أكثر صرامة تجاه الفلسطينيين، إذ رفضت مبادرة عربية لإعادة إعمار غزة، وقامت بقطع قنوات الدعم للسلطة الفلسطينية.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد فرض ترامب تعريفات جمركية على بعض أكبر شركاء التجارة الأمريكيين، مثل كندا والمكسيك والصين، مما أثار قلق دول الخليج العربي وتركيا، التي تعتمد اقتصاداتها على سياسات تجارية منفتحة ومترابطة مع الأسواق العالمية.
كما أن تعليق المساعدات العسكرية والاستخباراتية لأوكرانيا في ظل استمرار الهجوم الروسي أثار الشكوك حول التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها.
لماذا هذا مهم؟
تتسبب سياسات ترامب في تصعيد التوترات في الشرق الأوسط، وتؤدي إلى اهتزاز الثقة في الولايات المتحدة كشريك استراتيجي يمكن الاعتماد عليه.
الحلفاء التقليديون لواشنطن، مثل السعودية والإمارات وتركيا، يراقبون بقلق ما إذا كانت السياسة الأمريكية تتجه نحو الانعزال، مما قد يدفعهم إلى إعادة تقييم تحالفاتهم.
فيما يخص القضية الفلسطينية، فإن إدارة ترامب تعود إلى سياسة “الضغط الأقصى”، التي من شأنها تقويض أي جهود لتحقيق سلام دائم.
كما أن رفض المبادرة العربية لإعادة إعمار غزة، وقطع المساعدات، ودعم إسرائيل عسكريًا دون قيد أو شرط، يعزز المخاوف من اندلاع مواجهة جديدة في المنطقة.
أما فيما يتعلق بإيران، فإن التقارير تشير إلى محاولة ترامب إشراك روسيا في التوسط مع طهران، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى جدية الولايات المتحدة في احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة.
إذا استمرت هذه السياسة غير المتسقة، فقد تجد دول الخليج نفسها أمام خيارات صعبة، مثل تعزيز علاقاتها بالصين وروسيا، أو حتى إعادة ترتيب تحالفاتها الأمنية.
ماذا بعد؟
استمرار ترامب في اتخاذ قرارات أحادية الجانب قد يؤدي إلى خسارة الولايات المتحدة لحلفائها التقليديين، خاصة إذا لم تُظهر واشنطن التزامًا واضحًا بأمن واستقرار المنطقة.
دول مثل السعودية وتركيا والإمارات قد تتجه إلى البحث عن شراكات بديلة، مثل تعزيز التعاون مع الصين أو روسيا، مما سيغير موازين القوى في الشرق الأوسط.
أما على صعيد القضية الفلسطينية، فإن انحياز ترامب الكامل لإسرائيل قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب العواقب، خاصة إذا انهارت التهدئة الهشة مع غزة.
وفي ظل هذا النهج، قد يصبح تحقيق اتفاق سلام شامل أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.
قد يكون ترامب مقتنعًا بأنه قادر على إعادة صياغة السياسة الخارجية الأمريكية بطريقته الخاصة، لكن تجاهله للمصالح الاستراتيجية لحلفائه في الشرق الأوسط قد يجعل الولايات المتحدة تخسر أكثر مما تكسب، مما يترك فراغًا قد تملؤه قوى أخرى تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الإقليمي وفقًا لمصالحها.