ماذا حدث؟
في تصعيد للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية تصل إلى 245% على الواردات الصينية، في خطوةٍ غير مسبوقة أثارت الذعر في الأوساط الاقتصادية والسياسية الدولية.
تأتي هذه القرارات بعد سنوات من التوتر المتصاعد بين القوتين، حيث تتهم واشنطن بكين بممارسات غير عادلة مثل سرقة الملكية الفكرية، التلاعب بالعملة، وفرض قيود على دخول الشركات الأجنبية إلى السوق الصينية.
وردًا على ذلك، أعلنت الصين أنها مستعدة “للقتال حتى النهاية” سواء في حرب تجارية أو تكنولوجية أو حتى مواجهة حقيقية.
لماذا هذا مهم؟
الحديث عن حرب تجارية قد يبدو لأول وهلة نقاشًا اقتصاديًا بحتًا، لكن التاريخ يؤكد أن الأمور لا تتوقف عند حدود الضرائب والرسوم الجمركية.
منذ العصور القديمة، كان للاقتصاد دورٌ جوهري في اندلاع الصراعات؛ فقد ساهمت العقوبات التي فرضتها أثينا على ميغارا في إشعال الحروب البيلوبونيسية، كما كانت النزاعات التجارية أحد أسباب الثورة الأميركية وحرب 1812.
وفي العصر الحديث، مهّد الحصار النفطي الأميركي على اليابان في عام 1941 الطريق للهجوم على “بيرل هاربر” ودخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية.
بحسب المؤرخ البريطاني الدكتور مارك ويليام بالين، فإن الحروب التجارية تفتح الباب أمام تصاعد النزعة القومية والتنافس الجيوسياسي، وغالبًا ما تنقلب التحالفات إلى عداوات.
ويشير بالين إلى أن “الرسوم الحمائية والعقوبات الاقتصادية كانت عبر التاريخ محركات للحروب، وليست مجرد أدوات ضغط دبلوماسي”.
وهو ما يؤكده أيضًا الاقتصادي كيفن أورورك، مشددًا على أن القيود التجارية تُضخم التوترات وتمنح المتشددين ذريعة للمواجهة.
ماذا بعد؟
ما يجعل الوضع أكثر خطورة في القرن الحادي والعشرين هو تشابك الاقتصادات العالمية، ولكن في حالة الولايات المتحدة والصين، فإن مسار “فك الارتباط الاقتصادي” بدأ بالفعل.
ومع انخفاض الاعتماد المتبادل، تقل الحاجة إلى الحفاظ على السلام من أجل المصالح التجارية، وحين تُرفع تكلفة التجارة إلى الحد الأقصى – كما يفعل ترامب برسومه المبالغ فيها – يصبح من السهل تبرير خيارات أكثر تطرفًا، بما في ذلك المواجهة العسكرية.
التاريخ الصيني لا ينسى “قرن الإذلال” حين أجبرت القوى الغربية بكين على فتح أسواقها بالقوة، واليوم، يرى الحزب الشيوعي الصيني في السياسات الأميركية امتدادًا لذلك الماضي الاستعماري، ما يُفاقم الحساسية الصينية تجاه أي إملاءات خارجية.
في هذا السياق، لم تعد الحرب التجارية مجرد معركة على الوظائف أو فائض الميزان التجاري، بل أصبحت رمزًا لصراع أعمق حول النفوذ والسيادة والمكانة في النظام العالمي، وفي ظل هذا المناخ المشتعل بين واشنطن وبكين، فإن مجرد تجاهل احتمال حرب عسكرية سيكون مجازفة كارثية.