ماذا حدث؟
تصاعدت الأزمة بين الجزائر ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة، بعد أن شنّ التلفزيون الجزائري الرسمي هجومًا إعلاميًا حادًا على الإمارات يوم 2 مايو 2025، وذلك ردًا على بث قناة “سكاي نيوز عربية”، التي تتخذ من أبوظبي مقرًا لها، مقابلة مع المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث، وصف خلالها الأمازيغية بأنها “صنيعة صهيونية فرنسية تهدف إلى تقسيم المنطقة”.
واعتبرت السلطات الجزائرية أن هذا التصريح لا يمثل رأيًا فرديًا بقدر ما يعكس، من وجهة نظرها، جزءًا من “حملة إعلامية ممنهجة” تستهدف المساس بالهوية الجزائرية الدستورية، معتبرة أن بث المقابلة هو امتداد لتحركات إماراتية تهدف إلى “ضرب الاستقرار الداخلي”.
ويأتي هذا الحادث في سياق توترات ممتدة بين البلدين على مدار الأعوام الماضية، حيث سبق أن تبادلت الجزائر والإمارات الاتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية ومحاولات زعزعة الاستقرار. ففي سبتمبر 2024، وصفت صحيفة “الخبر” الجزائرية السفير الإماراتي يوسف سيف خميس سباع آل علي بأنه “شخص غير مرغوب فيه”، محملة إياه مسؤولية “تخريب 80% من العلاقات الثنائية عبر تقديم تقارير مغلوطة”، وفق ما جاء في الصحيفة.
لماذا هذا مهم؟
تعود جذور الأزمة إلى مواقف الإمارات الداعمة لوحدة المغرب الترابية، خاصة بعد افتتاح قنصليتها في مدينة العيون بالصحراء الغربية عام 2020، وهو ما أثار غضب الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو وتستضيف أكثر من 200,000 لاجئ صحراوي على أراضيها.
كما زعمت وسائل إعلام جزائرية في 2023 أن الإمارات قدمت دعماً تقنيًا للمغرب عبر تزويده بتقنيات تجسس إسرائيلية استُخدمت ضد مسؤولين جزائريين، مشيرة إلى أن أربعة جواسيس إماراتيين “يعملون لصالح الموساد” تم اعتقالهم – وهي الاتهامات التي نفتها الإمارات والمغرب بشكل قاطع، واعتبرتاها لا أساس لها من الصحة.
ولم تقف التوترات عند هذا الحد، إذ اتهمت الجزائر كلًا من الإمارات والمغرب باستخدام برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” ضد 50 مسؤولًا وصحفيًا جزائريًا عام 2021، في قضية أثارت جدلًا واسعًا، رغم نفي البلدين المتكرر لأي علاقة بهذه المزاعم.
وبلغت الأزمة ذروتها اقتصاديًا في عام 2024، عندما أعلنت الجزائر وقف استثمارات إماراتية بقيمة 5.6 مليار دولار، شملت مشاريع استراتيجية في مجالات الطاقة والموانئ، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة تصعيدية تعكس تحول التوترات السياسية إلى مواجهة اقتصادية مباشرة، خاصة مع خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
وتكشف هذه التطورات عن صراع جيوسياسي أوسع يتجاوز إطار العلاقات الثنائية، إذ ترى الجزائر أن الدعم الإماراتي للمغرب يمثل تهديدًا مباشرًا لمواقفها السيادية، خصوصًا فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية، في حين تتمسك الإمارات بموقفها الداعم لوحدة المغرب الترابية كجزء من سياستها الإقليمية الثابتة.
وتشير تقارير إلى أن هذه التوترات قد تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار في منطقة المغرب العربي، حيث يبلغ حجم التجارة البينية بين الجزائر والإمارات قرابة 2.1 مليار دولار سنويًا، ما يضع العلاقات الاقتصادية على المحك إذا استمرت حالة التصعيد.
ماذا بعد؟
وفي ضوء هذه التطورات، طرحت أوساط دبلوماسية سيناريوهات عدة لمستقبل الأزمة، من بينها إمكانية تدخل أطراف عربية، مثل السعودية أو مصر، في وساطة تهدف إلى تهدئة الأوضاع وإعادة إطلاق حوار دبلوماسي حول الملفات الخلافية، بما فيها قضية الصحراء الغربية والأوضاع في ليبيا.
في المقابل، تدرس الجزائر بحسب تقارير إعلامية خططًا لتعزيز “سيادتها الإعلامية” عبر إطلاق منصات إعلامية جديدة بحلول 2026، بميزانية تصل إلى 200 مليون دولار، بهدف قيادة حملات إعلامية إقليمية تروّج لمواقفها السياسية.
كما تعزز الجزائر شراكاتها الاقتصادية مع دول مثل قطر وتركيا، اللتين استثمرتا نحو 3.2 مليار دولار في الجزائر بين عامي 2020 و2024، في محاولة لتعويض الخسائر الناجمة عن تراجع الاستثمارات الإماراتية.
وتبقى كل السيناريوهات مفتوحة، في ظل تحذيرات من أن استمرار التصعيد قد يدفع الجزائر إلى مزيد من العزلة الإقليمية إذا لم توازن بين المواجهة السياسية والدبلوماسية البناءة.