ماذا حدث؟
في تحول استراتيجي مهم على الساحة السورية، أبرمت “قوات سوريا الديمقراطية” بقيادة مظلوم عبدي اتفاقاً مبدئياً مع الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع في العاشر من مارس.
الاتفاق، الذي جاء بعد مفاوضات شاقة دامت شهوراً بدعم مباشر من الولايات المتحدة، يفتح الباب لدمج التشكيلات العسكرية الكردية ضمن صفوف الجيش السوري الجديد، وقد رحبت به جهات دولية كبرى مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وواشنطن، باعتباره خطوة أساسية نحو استقرار البلاد وفتح الطريق نحو تعافي اقتصادي طال انتظاره.
الاتفاق تضمن ثماني نقاط محورية أبرزها الاعتراف بالأكراد كمكوّن أصيل في النسيج السوري، وضمان حقوقهم السياسية والمدنية، ودمج المؤسسات العسكرية والمدنية في شمال شرق البلاد، خصوصًا في المناطق الغنية بالنفط والغاز.
كما نص الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار وتشكيل لجان مشتركة لتنفيذه قبل نهاية العام الحالي. وقد عقد أول اجتماع تحضيري لهذه اللجان في قاعدة الشدادي بحضور التحالف الدولي في 19 مارس، مع بدء العمل الرسمي في الشهر نفسه.
لكن، كما هو الحال في كل اتفاق سياسي كبير، ظهرت تحديات فورية تهدد المسار بأكمله، والتباين الحاد في الرؤى بين دمشق و”قسد”، خاصة في ما يتعلق بشكل الحكم القادم – مركزي أم لا مركزي -، ومستقبل السيطرة على المناطق ذات الغالبية العربية، وكذلك مصير معتقلي تنظيم “داعش”، يضع الاتفاق على المحك.
يُضاف إلى ذلك الموقف التركي المتشدد، الذي يرى في الوجود الكردي المسلح على حدوده تهديداً لا يُحتمل، مما يفتح الباب لاحتمالات تصعيد إضافية أو حتى انهيار محتمل للمسار التوافقي.
لماذا هذا مهم؟
يشكل هذا الاتفاق نقطة تحول محورية في مستقبل سوريا بعد سنوات من الصراع الدامي والتشظي السياسي، فتوحيد القوى العسكرية والإدارية تحت سقف وطني مشترك، مع الحفاظ على حقوق الأقليات وضمان تمثيلها، يعد خطوة غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب. الأهم من ذلك، أن الشمال الشرقي السوري، حيث تنتشر “قسد”، يمثل رئة الاقتصاد السوري بما يحتويه من حقول نفط وغاز ومعابر استراتيجية، وهو ما يجعل من هذا الاتفاق ضرورة حتمية لأي نهضة اقتصادية أو استقرار أمني في البلاد.
كما أن احتواء الملفات الشائكة، مثل مصير عشرات آلاف المعتقلين من تنظيم “داعش” في سجون “قسد”، والتوصل إلى صيغة عسكرية جديدة تحفظ توازن القوى دون المساس باستقلالية القوى الكردية، سيضع أسساً لتعاون طويل الأمد بين الفصائل السورية المتنوعة، ويمنح التحالف الدولي أرضية جديدة لإعادة النظر في استراتيجيته بسوريا.
من جهة أخرى، فإن موقف تركيا ومجموعاتها المسلحة مثل “الجيش الوطني السوري” يشكل عائقاً حقيقياً أمام تنفيذ أي تسوية شاملة. استمرار الهجمات على مواقع “قسد”، خصوصًا في مناطق مثل سد تشرين، يعقد الميدان ويضعف ثقة الأطراف المحلية بالعملية السياسية. وبدون توافق تركي-كردي عبر وساطة خارجية، أو تحجيم دور “الجيش الوطني” في المناطق الكردية كعفرين، قد تفشل مساعي إعادة اللاجئين والنازحين واستعادة التوازن الديمغرافي.
ماذا بعد؟
المرحلة المقبلة تتطلب جهداً ديبلوماسياً مكثفاً وضغطاً دولياً منظماً لتثبيت الاتفاق ومنع أي انزلاقات أمنية أو سياسية قد تطيح به.
وعلى المستوى المحلي، فعلى اللجان المشتركة المضي قدمًا في تنفيذ الترتيبات الإدارية والعسكرية، مع العمل على تهدئة التوترات في مناطق التماس.
من شأن سحب وحدات “الجيش الوطني” من عفرين مثلاً، واستبدالها بقوات أمن محلية تحت إشراف مشترك، أن يشكل نموذجاً لتسويات مشابهة في مناطق أخرى كعين عيسى وتل تمر.
في الوقت ذاته، يُعد فتح قنوات حوار مباشر أو غير مباشر بين أنقرة و”حزب العمال الكردستاني” ضرورة لا يمكن تجاهلها، حيث ترى تركيا في “قسد” امتداداً للحزب، وهو ما يدفعها للاستمرار في التصعيد، وإذا ما تحقق تقارب تركي-كردي في هذا السياق، فإن ذلك قد يُسهم ليس فقط في خفض التصعيد داخل سوريا، بل في تغيير جذري لمعادلة الأمن الإقليمي.