ماذا حدث؟
بينما شغلت القرارات الاقتصادية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية صدارة العناوين العالمية، وفرضت نفسها على النقاشات السياسية، لم تغفل واشنطن عن الشرق الأوسط.
في تحركات لافتة، وجه ترامب رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في خطوة غير مألوفة تعكس رغبة الإدارة في كسر الجمود مع طهران.
في الوقت ذاته، فتحت الإدارة قناة اتصال مباشرة مع حركة “حماس”، التي تصنفها الولايات المتحدة كـ”منظمة إرهابية”، في محاولة لإطلاق سراح رهائن أميركيين ما زالوا محتجزين في غزة، وهو ما أثار قلقًا إسرائيليًا مكتومًا.
وعلى الرغم من تصعيد المواقف مع إيران بإلغاء إعفاءات كانت تسمح للعراق بشراء الغاز والكهرباء من طهران، إلا أن ترامب ألمح إلى رغبته في التوصل إلى “صفقة” مع إيران بدلًا من المواجهة العسكرية، معترفًا بوجود “أيام مثيرة” قادمة.
في المقابل، وصفت إيران واشنطن بأنها “دولة متغطرسة”، لكنها لم تغلق الباب أمام الحوار.
وعلى جبهة أخرى، حافظ فريق ترامب على دوره في تثبيت اتفاقات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، في حين تبنى سياسة “اللاموقف” تجاه النزاع السوري الدامي، مكتفيًا بإدانات لفظية لأعمال العنف التي أودت بحياة أكثر من 1000 مدني الأسبوع الماضي.
لماذا هذا مهم؟
تكشف هذه التحركات عن أجندة أميركية جديدة وغير تقليدية في الشرق الأوسط، تتسم بالمرونة والمراوغة بعيدًا عن القوالب الدبلوماسية المعتادة.
إدارة ترامب الثانية تبدو وكأنها تؤسس لنموذج جديد يقوم على خلط أوراق الملفات الساخنة، عبر الانفتاح التكتيكي على خصومها مثل “حماس” وإيران، بالتوازي مع تصعيد الضغوط الاقتصادية.
توقيت هذه التحركات يأتي في ظل اضطرابات أوسع في الساحة الدولية، من تصاعد الحرب التجارية مع أوروبا وكندا، إلى التوترات الاقتصادية التي تعصف بالأسواق العالمية نتيجة فرض رسوم جمركية ثقيلة على واردات الصلب والألومنيوم.
وبينما ينشغل العالم بالتداعيات الاقتصادية، تتحرك واشنطن بهدوء لرسم خريطة جديدة للنفوذ في الشرق الأوسط، مع حرص ترامب على إشراك السعودية كلاعب محوري، خصوصًا في استضافة المحادثات بين أوكرانيا وأميركا التي أسفرت عن هدنة مؤقتة بانتظار موافقة موسكو.
ماذا بعد؟
من الواضح أن أجندة ترامب الشرق أوسطية تسير وفق سياسة “توقع غير المتوقع”، حيث تسعى الإدارة إلى إعادة صياغة قواعد اللعبة الدبلوماسية التقليدية، والرهان على تحولات اللحظة لتوسيع نفوذها.
الخطوة القادمة قد تتمثل في محاولة بناء تفاهمات أولية مع طهران تتقاطع مع تطورات المشهد الروسي، في وقت قد تسعى فيه الرياض للعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران.
وفي ظل هذا التوجه، تبدو ملامح المرحلة المقبلة مرشحة لمزيد من الانفتاح الأميركي على الأطراف المتصارعة في الشرق الأوسط، بما في ذلك القوى التي لطالما اعتبرتها واشنطن خصومًا استراتيجيين.
ومع بقاء الأزمة السورية خارج دائرة الأولويات المباشرة، واستمرار الضغوط على قطاع غزة ولبنان، يظل الشرق الأوسط أمام مرحلة ضبابية قد تحمل معها صفقات مفاجئة أو تصعيدًا غير محسوب.