لماذا لم يصمد وقف إطلاق النار في غزة؟ وهل تتورط لبنان؟

#image_title

ماذا حدث؟

عندما أُعلن عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في 19 يناير، تنفّس المجتمع الدولي الصعداء، متوقعًا تهدئة مؤقتة للصراع الدموي الذي طال أمده في غزة.

غير أن هذه الهدنة لم تصمد طويلًا، حيث سرعان ما عادت النيران لتشتعل إثر شنّ إسرائيل غارات جديدة على القطاع، معلنة أن الهجمات جاءت ردًا على ما وصفته بـ”تعنت حماس” ورفضها إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، إضافةً إلى رفض كافة المبادرات التي قدمها مبعوث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ستيف ويتكوف.

في المقابل، أكدت حماس أن إسرائيل لم تلتزم بتوفير الحد الأدنى من المتطلبات الإنسانية التي نص عليها الاتفاق، مثل إدخال المساعدات، وتوفير الوقود والملاجئ للسكان المحاصرين.

ومع تصاعد وتيرة الأحداث، بات وقف إطلاق النار أقرب إلى “فخ سياسي” فرضته إسرائيل أكثر من كونه اتفاقًا متكافئًا بين طرفين متنازعين، في ظل تفوقها العسكري والسياسي الواضح.

خلال فترة التهدئة، التي امتدت لـ42 يومًا، تم تبادل الأسرى بإطلاق سراح 33 رهينة إسرائيلية مقابل نحو 1800 معتقل فلسطيني.

 ومع ذلك، استغلت إسرائيل الهدنة كغطاء لمواصلة تحقيق أهداف استراتيجية، سواء عبر قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية أو تعزيز وجودها العسكري في مناطق أخرى مثل الضفة الغربية وجنوب لبنان.

لماذا هذا مهم؟

تكمن خطورة هذا السيناريو في أن وقف إطلاق النار تحول إلى أداة لمناورة سياسية وعسكرية، ليس فقط ضد غزة، ولكن لتوسيع طموحات إسرائيل الإقليمية.

على الأرض، استمرت تل أبيب في ضرب أهداف حيوية داخل القطاع، مع تصعيد حملات الاستيطان والاعتقالات في الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه، كثّفت ضغوطها الدبلوماسية لطرد وكالة الأونروا من القدس الشرقية، وفرض قيود صارمة على عمل المنظمات الحقوقية.

سياسيًا، بدا واضحًا أن صعود ترامب قد منح إسرائيل جرأة إضافية لترويج خطط لطالما وُصفت سابقًا بأنها “جرائم حرب”، مثل مشروع تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن أو حتى إلى أجزاء من إفريقيا، وتحويل القطاع إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” تحت إشراف أمريكي مباشر.

أما عسكريًا، فقد ساعدت الهدنة إسرائيل على إعادة ترتيب أوراقها في جبهات أخرى.

في جنوب لبنان، خرقت تل أبيب المواثيق الدولية، وبدأت عمليًا في تشكيل منطقة عازلة داخل الأراضي اللبنانية، وسط تدمير القرى وبناء نقاط عسكرية شبه دائمة على الحدود.

القلق الأكبر يبرز مع اشتداد التوتر بين إسرائيل وحزب الله، إذ إن تل أبيب ترى في استمرار وجود الحزب المسلّح جنوب الليطاني تهديدًا دائمًا، ملوّحة بإمكانية شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق في أي وقت.

ماذا بعد؟

السيناريو المقبل يحمل تداعيات خطيرة ليس على غزة وحدها، بل على لبنان أيضًا، فبينما تشهد الجبهة الجنوبية للبنان تصعيدًا متقطعًا، تتزايد المخاوف من جرّ البلاد إلى “حرب بالوكالة” قد تتحول إلى صراع إقليمي أوسع.

ورغم أن المحللين يُجمعون على أن حربًا شاملة بين إسرائيل ولبنان ليست مرجحة حاليًا، إلا أنهم لا يستبعدون احتمال تصعيد خطير على شكل ضربات انتقائية أو عمليات اغتيال تستهدف قيادات في حزب الله، أو مواقع عسكرية استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية.

ومع الانقسامات السياسية الداخلية التي تُضعف القرار المركزي في بيروت، يجد لبنان نفسه أمام تحديات ضخمة؛ من جهة يتعين عليه منع تفجر الأوضاع جنوبًا، ومن جهة أخرى يتوجب عليه التعامل مع استحقاقات إقليمية معقدة لا يملك وحده قرار الحسم فيها.

وما يزيد من تعقيد المشهد هو أن حزب الله نفسه يواصل تعزيز بنيته العسكرية على الحدود الجنوبية، مستعدًا لأي تحرك إسرائيلي قد يشعل فتيل مواجهة جديدة، مع حرصه على عدم الانجرار حاليًا إلى حرب مفتوحة نظراً للضغوط الداخلية والإقليمية.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *