لماذا لم يتم الاعتراف إلا بعدد قليل من الجرائم باعتبارها إبادة جماعية؟

لماذا لم يتم الاعتراف إلا بعدد قليل من الجرائم باعتبارها إبادة جماعية؟

ماذا حدث؟

تُعد الإبادة الجماعية، كما عُرّفت في اتفاقية 1948، “جريمة الجرائم” في القانون الدولي، لكن قلة من الأحداث صُنفت قانونيًا كإبادة جماعية بسبب التعريف القانوني الضيق.

تشمل هذه الأحداث إبادة رواندا 1994، حيث قُتل 800 ألف توتسي على يد الهوتو، ومذبحة سريبرينيتشا 1995، حيث أعدم الصرب البوسنيون 8 آلاف مسلم.

الجدل حول ما إذا كانت الأحداث في غزة منذ أكتوبر 2023 تُشكل إبادة جماعية، كما طالبت جنوب إفريقيا في قضية أمام محكمة العدل الدولية (بدأت في ديسمبر 2023 ولم تُحسم بعد)، يبرز صعوبة تطبيق هذا التصنيف.

التعريف القانوني يتطلب نية خاصة لتدمير مجموعة قومية، أو عرقية، أو عنصرية، أو دينية، وهي الفئات الأربعة الوحيدة المحمية، مع أدلة قوية على هذه النية، وهو ما يجعل إثبات الإبادة نادرًا.

لماذا هذا مهم؟

عُرف مصطلح الإبادة الجماعية بواسطة رافائيل ليمكين في 1944، مستلهمًا من ذبح الأرمن (1916-1918)، لكن الاتفاقية لم تُعتمد حتى 1948، ولم يُدان أحد بها دوليًا حتى 1998 (قضية جان بول أكايسو في رواندا).

يقتصر التعريف على أربع مجموعات، مستبعدًا فئات أخرى مثل السياسيين أو الطبقات الاجتماعية، كما في جرائم الخمير الحمر (1975-1979) التي قتلت 1.75-2.25 مليون، لكن لم تُصنف إلا جزئيًا كإبادة ضد الأقليات الفيتنامية.

يتطلب إثبات “نية خاصة” للتدمير، وهو أمر صعب بدون وثائق أو اعترافات واضحة، كما في يوغوسلافيا السابقة حيث لم تُثبت الإبادة إلا في سريبرينيتشا.

قانونيًا، تصنيف الإبادة يلزم الدول بالوقاية والمعاقبة، وقد يبرر التدخل العسكري، مما يجعله مثيرًا للجدل سياسيًا.

اجتماعيًا، يحمل التصنيف وزنًا أخلاقيًا هائلاً، لكنه قد يُستخدم لأغراض دعائية.

اقتصاديًا، قد يؤدي إلى عقوبات أو مقاطعات ضد الدول المتهمة. في غزة، تجعل الصعوبات القانونية التصنيف مستبعدًا حتى الآن، مع تفضيل تهم مثل “جرائم الحرب” أو “جرائم ضد الإنسانية” التي تتطلب إثباتًا أقل تعقيدًا.

ماذا بعد؟

على المدى القصير، ستستمر قضية غزة في إثارة النقاش حول تعريف الإبادة، مع ضغوط لتوسيع الفئات المحمية أو تخفيف متطلبات إثبات النية.

قانونيًا، قد تُصدر محكمة العدل الدولية قرارات مؤقتة، لكن حكمًا نهائيًا قد يستغرق سنوات.

سياسيًا، ستؤثر التهم على العلاقات الدولية، خاصة بين إسرائيل وحلفائها مثل الولايات المتحدة، وعلى المدى الطويل، قد تدفع القيود الحالية إلى إعادة صياغة اتفاقية الإبادة الجماعية لتشمل مجموعات أخرى أو لتسهيل إثبات النية، لكن ذلك يتطلب إجماعًا دوليًا صعبًا وسط انقسامات جيوسياسية.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *