ماذا حدث؟
عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من العاصمة الأمريكية واشنطن صباح الأربعاء، بعد زيارة مفاجئة للبيت الأبيض التقى خلالها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ورغم الأجواء التي وُصفت بالودية، إلا أن الزيارة خلت من المكاسب السياسية أو الاقتصادية التي كان نتنياهو يسعى إليها، وبدت أقرب إلى جولة علاقات عامة منها إلى زيارة مفصلية تحدد ملامح المرحلة المقبلة.
جاءت هذه العودة العاجلة في توقيت حساس، إذ كان على نتنياهو المثول أمام المحكمة للإدلاء بشهادته في القضية المعروفة إعلامياً بـ”ملف 4000″، والتي تتعلق باتهامات بالفساد واستغلال النفوذ.
على طاولة النقاش في واشنطن، طرح نتنياهو ثلاثة ملفات مركزية: البرنامج النووي الإيراني، والرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على المنتجات الإسرائيلية، والملف المتعلق بالحرب في قطاع غزة.
إلا أن النتائج كانت دون توقعات القيادة الإسرائيلية وحتى الإعلام المحلي، خاصة بعد أن أعلن ترامب، خلال اللقاء، عن نيّة إدارته البدء بمحادثات مباشرة مع إيران، وهو إعلان فاجأ نتنياهو تمامًا.
لماذا هذا مهم؟
لنتنياهو حسابات دقيقة في هذه المرحلة؛ فهو لا يخوض معركة سياسية فقط، بل يقف على جمر أزمة قضائية خانقة تهدد مستقبله السياسي، وكان يعوّل على زيارته لواشنطن كوسيلة لكسب نقاط داخلية عبر تحقيق مكاسب ملموسة.
لكن الإعلان عن المحادثات مع إيران شكّل صدمة لإسرائيل، إذ يتناقض تمامًا مع السياسة العدائية التي ظل نتنياهو يدفع بها تجاه طهران.
فيما يخص الرسوم الجمركية، بدا نتنياهو عاجزًا عن إقناع الإدارة الأمريكية بتخفيف القيود التجارية، رغم عرضه تقديم تنازلات تتعلق بالعجز التجاري بين البلدين، وبدا واضحًا أن ترامب لم يبد أي مرونة، بل ذكّر بأن واشنطن تقدم مساعدات سنوية لإسرائيل بقيمة 4 مليارات دولار، ملمحًا إلى أن هذا “الدعم السخي” يبرر تلك الرسوم.
أما في ملف غزة، فقد تبنى ترامب خطابًا أكثر انفتاحًا على حل سياسي طويل الأمد، داعيًا لإعادة إعمار القطاع بمساعدة دول الخليج، فيما تمسك نتنياهو بخطاب تقليدي يشدد على “تفكيك حماس” واستعادة المختطفين، دون أن يظهر أي استعداد للتجاوب مع المقترحات الأمريكية الجديدة.
حتى على صعيد التنظيم، فقد ألغى البيت الأبيض مؤتمرًا صحفيًا كان مخططًا له، واكتفى بلقاء في المكتب البيضاوي، ما قرأته بعض الصحف الأمريكية كإشارة إلى رغبة ترامب في تخفيف حدة الزيارة وعدم تحويلها إلى منصة نتنياهو لاستعراض مواقفه أمام الإعلام الدولي.
ماذا بعد؟
النتائج المتواضعة للزيارة وضعت نتنياهو في موقف سياسي هش، فبدلاً من أن يعود مزهوًا بإنجازات دبلوماسية، رجع إلى إسرائيل محمّلاً بخيبات، وبانتظاره مواجهة جديدة في المحكمة في قضيته الأخطر.
داخليًا، بات يواجه انتقادات متزايدة حتى من داخل معسكره السياسي، حيث يراه البعض قد فشل في تحقيق أي خرق استراتيجي مع الإدارة الأمريكية.
أما على الصعيد الدولي، فإن إعلان واشنطن عن فتح قنوات تفاوض مباشرة مع طهران يعكس تغيرًا نوعيًا في النهج الأمريكي، ويضعف مساعي إسرائيل لعزل إيران دبلوماسيًا.
كما أن عدم تراجع ترامب عن التعريفات الجمركية يوجّه ضربة موجعة للاقتصاد الإسرائيلي، خصوصًا في ظل توتر الأسواق العالمية وانخفاض مؤشرات الثقة في الاستقرار السياسي بالمنطقة.
مستقبلاً، يبدو أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قد تدخل مرحلة أكثر برودًا، خاصة إذا ما استمرت إدارة ترامب في تبني مواقف غير متسقة مع الرؤية الإسرائيلية التقليدية، وبالنسبة لنتنياهو، فإن رهانه على واشنطن كملاذ سياسي في لحظة حرجة قد يكون خسر فيه أكثر مما كسب.
الخلاصة أن الزيارة كشفت عن محدودية نفوذ نتنياهو في التأثير على القرار الأمريكي، وأكدت أن البيت الأبيض لا يسير دومًا وفق إيقاع تل أبيب، خصوصًا في ملفات كبرى كإيران والتجارة وغزة.