ماذا حدث؟
في مايو 2025، وقّعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفاقية مع أوكرانيا تمنح الولايات المتحدة وصولاً مميزاً إلى مواردها الطبيعية، بما في ذلك المعادن الحرجة مثل الجرافيت، والتيتانيوم، والليثيوم.
هذه الاتفاقية، التي جاءت بعد مفاوضات مضطربة، وُصفت في بعض وسائل الإعلام بأنها استسلام من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمطالب ترامب.
لكن تحليل الاتفاقية يكشف أن زيلينسكي حقق مكاسب استراتيجية تجعلها نصراً له أكثر منه لترامب.
الاتفاقية تنشئ صندوق استثمار مشترك لإعادة إعمار أوكرانيا، حيث تساهم أوكرانيا بنسبة 50% من إيرادات التراخيص والعوائد من المعادن والنفط والغاز، بينما يمكن للولايات المتحدة تقديم مساهمات عينية مثل المساعدات العسكرية أو نقل التكنولوجيا.
على عكس النسخة الأولية التي رفضها زيلينسكي في فبراير 2025، والتي طالبت أوكرانيا بالتخلي عن نصف مواردها مقابل الدعم الأمريكي، تحتفظ الاتفاقية الجديدة بسيادة أوكرانيا على مواردها، ولا تفرض ديوناً بأثر رجعي على المساعدات العسكرية السابقة، وتتماشى مع طموحاتها للاندماج الأوروبي.
لماذا هذا مهم؟
– مكاسب زيلينسكي:
– الاحتفاظ بالسيادة الوطنية: رفض زيلينسكي النسخة الأولية للاتفاقية التي كانت ستجبر أوكرانيا على التنازل عن سيادتها على مواردها للولايات المتحدة، وهو ما كان سيخالف الدستور الأوكراني الذي ينص على أن الموارد الطبيعية ملك للشعب، أما الاتفاقية الجديدة تحتفظ بملكية أوكرانيا لمواردها ومؤسساتها الحكومية، مما يحمي زيلينسكي من رد فعل شعبي عنيف.
– شراكة عادلة: يوصف الاتفاق بأنه “شراكة متساوية”، حيث تشارك أوكرانيا في إدارة صندوق الاستثمار، مما يعزز مكانتها كشريك وليس تابعاً، وهذا يدعم طموحات أوكرانيا لتحديث اقتصادها وإعادة إعمارها بعد الحرب.
– تجنب الديون الباهظة: الاتفاقية لا تتضمن شرطاً لسداد المساعدات العسكرية الأمريكية السابقة، والتي كانت ستثقل كاهل أوكرانيا لأجيال، هذا يمنع وضع سابقة خطيرة قد تسمح لدول أخرى بمطالبة أوكرانيا بديون مماثلة.
– دعم الاندماج الأوروبي: الاتفاقية لا تتطلب تغييرات كبيرة في القوانين الأوكرانية، مما يحافظ على توافقها مع شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أولوية استراتيجية لزيلينسكي.
– التزام أمريكي رمزي: رغم غياب ضمانات أمنية صريحة، تعكس الاتفاقية التزام إدارة ترامب بـ”أوكرانيا حرة ومزدهرة”، مما يمنح زيلينسكي رافعة سياسية للحفاظ على الدعم الأمريكي وسط مفاوضات السلام مع روسيا.
حدود مكاسب ترامب:
– أرباح بعيدة المنال: على الرغم من تصوير ترامب للاتفاقية كفرصة لاسترداد الأموال التي أنفقتها الولايات المتحدة على أوكرانيا (ادّعى ترامب أنها 350 مليار دولار، بينما تقدر الأرقام الفعلية بحوالي 123 مليار دولار)، فإن الأرباح من مشاريع التعدين ليست مضمونة، فعمليات التعدين تستغرق عقوداً، وتشير تقارير إلى أن احتياطيات أوكرانيا المؤكدة محدودة، مع وجود أكثر من نصف مواردها في مناطق محتلة من روسيا.
– تحديات لوجستية: تلوث ربع الأراضي الأوكرانية بالألغام، خاصة في الشرق، وتدمير نصف قدرة توليد الطاقة في البلاد يجعل تطوير التعدين مكلفاً ومحفوفاً بالمخاطر، كما أن غياب ضمانات أمنية يثني الشركات الخاصة عن الاستثمار.
– دوافع سياسية وليست اقتصادية: الهدف الأساسي لترامب قد لا يكون الأرباح، بل منع روسيا والصين من الوصول إلى المعادن الأوكرانية، خاصة مع تعاون بكين وموسكو المتزايد في الموارد الطبيعية، كما أن توقيع الاتفاقية يعزز صورة ترامب أمام قاعدته الانتخابية كصانع صفقات، ويضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانخراط في مفاوضات السلام. حتى لو كانت الاحتياطيات أقل قيمة مما هو متوقع، فإن هذه الأهداف السياسية قد تكون كافية بالنسبة لترامب.
ماذا بعد؟
بالنسبة لزيلينسكي، تعزز الاتفاقية مكانة أوكرانيا كشريك استراتيجي للولايات المتحدة، مما يمنحه نفوذاً في مفاوضات السلام المستقبلية مع روسيا، خاصة مع استمرار الدعم الأوروبي من قادة مثل إيمانويل ماكرون وكير ستارمر.
يجب على أوكرانيا الآن العمل على جذب استثمارات خاصة لتطوير مواردها، مع معالجة تحديات الألغام والبنية التحتية المدمرة، ويُوصي الخبراء بتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي لضمان أن تظل الاتفاقية متوافقة مع طموحات الانضمام.
بالنسبة لترامب، تعتمد نجاح الاتفاقية على قدرتها على تحقيق أهدافه السياسية: إظهار قوة في الداخل، وإضعاف نفوذ روسيا والصين، وتسهيل محادثات السلام.
ومع ذلك، فإن غياب ضمانات أمنية قد يحد من جاذبية الاستثمار في أوكرانيا، مما يجعل الأرباح طويلة الأجل غير مؤكدة، لذلك يُوصى الخبراء بأن تركز الولايات المتحدة على دعم بناء القدرات في أوكرانيا، مثل تدريب القضاة ومسؤولي إنفاذ القانون، لخلق بيئة مستقرة للاستثمار.
في النهاية، نجح زيلينسكي في تحويل صفقة كانت تهدد سيادة أوكرانيا إلى شراكة تحافظ على مصالح بلاده، بينما حقق ترامب انتصاراً سياسياً رمزياً قد لا يترجم إلى مكاسب اقتصادية كبيرة، وهذا التوازن يجعل زيلينسكي الفائز الأكبر في هذه الجولة من الدبلوماسية الشاقة.