كيف عزز المؤتمر الوطني الانقسام في سوريا؟

#image_title

ماذا حدث؟

شهد قصر الشعب في دمشق انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وهو حدث كان من المفترض أن يكون نقطة تحول في مستقبل البلاد بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر الماضي.

المؤتمر الذي جمع حوالي 900 مشارك، تم تقديمه كمنصة جامعة لمناقشة القضايا الأساسية في مرحلة ما بعد النزاع، مثل العدالة الانتقالية، وإصلاح الدستور، وإعادة بناء مؤسسات الدولة.

ومع ذلك، فإن طريقة تنظيم المؤتمر ونتائجه أثارت تساؤلات حول مدى قدرته على تحقيق تحول حقيقي، إذ اقتصر الحضور على أفراد اختارتهم اللجنة التحضيرية برئاسة أحمد الشرع، مما جعل العملية تبدو غير شاملة بشكل كافٍ.

تفاقمت الانتقادات حينما تم عقد الجلسات الخاصة بمحافظتي الرقة والحسكة في دمشق، بدلًا من إقامتها داخل هذه المناطق التي لا تزال تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، كما غاب عن المؤتمر التمثيل الفاعل للأكراد والدروز في أعلى المستويات السياسية، مما زاد من الشكوك حول مدى تمثيل المؤتمر لكامل الطيف السوري.

في المقابل، عُقد مؤتمر آخر بعد يومين فقط في الرقة، بتنظيم من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (DAANES) وبمشاركة 200 شخصية، حيث طُرحت رؤية مغايرة لمستقبل البلاد ترتكز على اللامركزية والحكم الذاتي.

لماذا هذا مهم؟

هذا المؤتمر الوطني كان من المفترض أن يؤسس لمرحلة سياسية جديدة في سوريا، إلا أن غياب الأطراف الفاعلة عنه قوض شرعيته، مما كشف عن عمق الانقسامات التي لا تزال تهدد مستقبل البلاد، فبدلًا من كونه خطوة نحو المصالحة، بدا المؤتمر كأداة لتعزيز النفوذ السياسي لطرف معين على حساب الأطراف الأخرى.

كما أن استبعاد ممثلي الإدارة الذاتية وغياب رؤية واضحة لتوزيع السلطة وإعادة هيكلة النظام السياسي جعل العديد من السوريين يرون في هذا المؤتمر مجرد محاولة لإعادة إنتاج الهيمنة المركزية، التي كانت سببًا في اندلاع الصراع في المقام الأول.

البيان الختامي للمؤتمر تحدث عن الوحدة الوطنية والإصلاح المؤسسي، لكنه لم يقدم حلولًا واضحة لمسألة تقاسم السلطة أو الهيكل السياسي للدولة، ما زاد من المخاوف حول مستقبل العملية الانتقالية.

كما أن إدراج موقف معادٍ لإسرائيل في البيان النهائي بدا وكأنه محاولة لصرف الانتباه عن القضايا الداخلية الأكثر إلحاحًا، وهو ما أثار انتقادات واسعة بين المشاركين والمراقبين.

ماذا بعد؟

في ظل هذه التطورات، يبدو أن سوريا تتجه نحو مزيد من التعقيد بدلًا من تحقيق الانسجام السياسي المطلوب، حيث عكس مؤتمر الرقة رغبة مناطق الشمال الشرقي في الحصول على دور أكبر في تقرير مصيرها، مما يشير إلى احتمال استمرار الخلافات السياسية بين دمشق والقوى المسيطرة في تلك المناطق.

ومع تصاعد الضغوط الدولية، خصوصًا من الولايات المتحدة التي لا تزال تدعم قوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد داعش، يبقى التساؤل مطروحًا حول ما إذا كانت هذه القوى ستنجح في فرض رؤيتها ضمن المشهد السياسي الجديد.

كما أن إعلان تشكيل لجنة لصياغة الإطار الدستوري الانتقالي يثير تساؤلات حول مدى شموليتها وقدرتها على تقديم حلول حقيقية، خاصة مع غياب الطابع الإلزامي لقراراتها.

وفي ظل الانهيار الاقتصادي والمعاناة المستمرة للسكان، تبدو الأولوية الآن ليست فقط في عقد المؤتمرات، بل في بناء آليات حكم أكثر شمولية، تضمن تمثيلًا عادلًا لمختلف المكونات السورية، وتجنب البلاد خطر الانقسام أو تجدد الصراع المسلح.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *