كيف سيخسر حزب الله من محادثات ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا؟

#image_title #separator_sa #site_title

ماذا حدث؟

في تطور يعكس تغيرات في التوازنات الإقليمية، وقّع وزيرا الدفاع في كل من لبنان وسوريا اتفاقاً مبدئياً في جدة، برعاية سعودية، يمهد الطريق لترسيم الحدود بين البلدين وتعزيز التعاون الأمني بينهما.

الإعلان الذي جاء في أواخر مارس الماضي، تزامن مع اشتباكات حدودية بين الجيش السوري ومجموعات مسلحة مرتبطة بـ”حزب الله”، ما أضفى بُعداً أكثر حساسية على هذا التحرك الدبلوماسي.

الاتفاق لا يرقى بعد إلى كونه ترسيماً كاملاً للحدود، بل هو خطوة افتتاحية نحو تشكيل لجان تقنية وقانونية مشتركة تتولى مهمة تحديد النقاط الحدودية، ومعالجة الملفات العالقة.

يعكس هذا التحرك رغبة متزايدة لدى الطرفين- وبدعم دولي ملحوظ- لإعادة ضبط الحدود الشرقية للبنان، التي طالما مثّلت مسرحاً لتهريب السلاح والمخدرات والبشر، في ظل غياب السيطرة الرسمية على مئات المعابر غير الشرعية، خاصة في مناطق مثل البقاع.

لماذا هذا مهم؟

من وجهة نظر استراتيجية، لا تقتصر أهمية هذه المحادثات على الجوانب الأمنية فقط، بل تمتد لتطال جوهر توازن القوى في لبنان، وتحديداً دور “حزب الله” في المعادلة الوطنية.

منذ عقود، استغل الحزب الغموض الحدودي بين لبنان وسوريا ليحوّله إلى شبكة لوجستية لتهريب السلاح والمخدرات وتمويل نشاطاته، كما مثّل الجسر البري السوري نقطة وصل محورية بين طهران وبيروت، لكن التحولات الإقليمية، وعلى رأسها تراجع نفوذ النظام السوري، أضعفت تلك المنظومة، ما دفع “حزب الله” إلى التوسع في التهريب كخيار بديل.

ترسيم الحدود، بالتالي، يُعد تهديداً مباشراً لبنية الحزب التشغيلية، إذ إن ضبط الحدود سيقيد حركة السلاح والكبتاغون، ويمنع إعادة تموضعه بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل.

كما أن ترسيم المناطق المتنازع عليها- وعلى رأسها مزارع شبعا- سيُسقط الذريعة التي لطالما استخدمها الحزب لتبرير استمرار تسلّحه تحت غطاء “المقاومة”، رغم الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000.

ولعل البُعد الأخطر في هذا السياق يتمثل في الطابع الطائفي للنزاع، إذ إن تدفق اللاجئين العلويين السوريين إلى مناطق الشمال اللبناني، وسط الانهيار الاقتصادي الشامل، خلق بيئة مرشحة للانفجار الطائفي، وقد استغل الحزب هذه الهشاشة لتعزيز حضوره في بيئته الشيعية، مستنداً إلى منطق الحماية في ظل دولة منهارة، ما يهدد بانزلاق البلاد نحو مزيد من الفوضى والانقسام.

ماذا بعد؟

المسار التفاوضي لترسيم الحدود قد يكون بداية نهاية للنفوذ غير المنضبط لـ”حزب الله” على الحدود الشرقية للبنان، لكن نجاح هذا المشروع مشروط بقدرة الحكومة اللبنانية على تطبيق القرارات الدولية، وأبرزها القراران 1680 و1701، اللذان يشددان على ضرورة بسط سيادة الدولة، وتجفيف منابع تهريب السلاح.

السعودية، التي ترعى هذا التحول، مطالبة بالاستمرار في دعم بيروت ودمشق دبلوماسياً ومادياً لإنجاح اللجان المشتركة، وتحويل الاتفاق من إطار نوايا إلى خطة تنفيذ ميدانية، كما أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بحاجة إلى مضاعفة دعمه للمؤسسة العسكرية اللبنانية، مع تحديد واضح لمسؤوليات الجيش في حماية الحدود.

ولا يمكن تجاهل أثر ترسيم الحدود السورية على المفاوضات غير المباشرة المقبلة لترسيم الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، إذ أن إحراز تقدم في مسار الشرق سيمهد تلقائياً لمسار الجنوب، فالدولة اللبنانية لا تستطيع ضبط حدودها مع إسرائيل دون إنهاء حالة السيولة الحدودية مع سوريا.

الخلاصة، تبدو خسارة “حزب الله” في هذا السياق متعددة الأوجه: تراجع في حرية الحركة، وتقليص في المبررات الشرعية، وانكشاف أمام جمهوره الداخلي الذي يزداد تساؤلاً عن جدوى المواجهة المفتوحة، أما الدولة اللبنانية، فربما أمامها فرصة تاريخية لاستعادة دورها السيادي، شرط أن تملك الإرادة والموارد والمساندة السياسية والدولية الكافية للمضي في هذا الطريق الصعب.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *