كيف تسير العلاقات السورية الروسية بعد سقوط الأسد؟

كيف تسير العلاقات السورية الروسية بعد سقوط الأسد؟

ماذا حدث؟

بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، إثر هجوم سريع لفصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام (HTS)، تغيرت ديناميكيات العلاقات السورية-الروسية بشكل جذري.

روسيا، التي كانت الحليف الأبرز للأسد منذ تدخلها العسكري عام 2015، لم تتمكن من منع سقوطه بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا وتراجع نفوذ حلفائها الإقليميين مثل إيران وحزب الله.

منحت موسكو الأسد وعائلته اللجوء في موسكو لأسباب “إنسانية”، لكنها سارعت إلى إعادة تموضعها سياسيًا بالتفاوض مع الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع (المعروف سابقًا بأبو محمد الجولاني).

في يناير 2025، زار نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف دمشق، وفي فبراير أجرى الرئيس فلاديمير بوتين مكالمة هاتفية مع الشرع، مؤكدًا دعم روسيا لوحدة سوريا وسيادتها.

أبدى الشرع براغماتية، واصفًا روسيا بـ”ثاني أقوى دولة في العالم” ومعربًا عن رغبة دمشق في التعاون الاستراتيجي، رغم توترات سابقة ناتجة عن تصنيف روسيا لهيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية.

لماذا هذا مهم؟

سقوط الأسد شكل ضربة استراتيجية لروسيا، التي استثمرت مليارات الدولارات وخسرت جنودًا ومرتزقة لدعم نظامه، بهدف الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط والبحر المتوسط عبر قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية.

هذه القواعد، خاصة طرطوس، هي الوحيدة التي تمنح روسيا منفذًا بحريًا دافئًا في المتوسط، وتدعم طموحاتها في إفريقيا ومواجهة الناتو.

فقدان الأسد كحليف أضعف مصداقية روسيا كضامن للأنظمة الاستبدادية، مما قد يؤثر على علاقاتها مع حلفاء آخرين.

ومع ذلك، تبنت موسكو نهجًا براغماتيًا، معترفة بالحكومة الجديدة بقيادة الشرع للحفاظ على وجودها العسكري والاقتصادي.

من جانبها، تسعى دمشق إلى تعاون مع روسيا لكسب اعتراف دولي من عضو دائم في مجلس الأمن، ولتعزيز شرعيتها وسط تحديات داخلية (مثل التوترات مع الأكراد والعلويين) وخارجية (مثل الغارات الإسرائيلية والنفوذ التركي).

الملفات العالقة، مثل القواعد العسكرية، ومصير الأسد، والديون، والأموال المجمدة، تشكل تحديات معقدة ستحدد طبيعة العلاقة المستقبلية.

ماذا بعد؟

تعتمد العلاقات السورية-الروسية على مفاوضات حساسة حول عدة قضايا رئيسية:

1- القواعد العسكرية: روسيا مصممة على الاحتفاظ بقاعدتي حميميم وطرطوس، لكن الحكومة السورية تطالب بمراجعة الاتفاقيات القديمة.

2- مصير بشار الأسد: دمشق تطالب بتسليم الأسد لمحاكمته بتهم جرائم ضد الإنسانية، لكن روسيا ترفض بحجة أن لجوءه مشروط بعدم ممارسته أنشطة سياسية أو إعلامية.

3- الديون والأموال المجمدة: تقدر الديون السورية لروسيا بجزء كبير من إجمالي ديون سوريا الخارجية (20-23 مليار دولار)، وترى دمشق أن هذه الديون، التي مُولت بها عمليات عسكرية ضد الشعب، يجب إلغاؤها أو إعادة هيكلتها، وفي المقابل، تطالب باستعادة أموال هرّبها نظام الأسد إلى روسيا.

4- التحديات الإقليمية والداخلية: كلا الطرفين يؤكدان على وحدة سوريا، لكن دمشق تواجه ضغوطًا من الغارات الإسرائيلية، والنفوذ التركي في الشمال، والتوترات الطائفية، خصوصًا مع العلويين والدروز.

في المستقبل، ستعتمد العلاقات على قدرة الطرفين على التوصل إلى حلول وسط، فقد تقدم روسيا تنازلات (مثل شطب الديون أو مساعدات إنسانية) لضمان بقاء قواعدها، بينما تسعى دمشق لتحقيق مكاسب اقتصادية ودبلوماسية دون التفريط بسيادتها.

إذا فشلت المفاوضات، قد تواجه روسيا انسحابًا جزئيًا من سوريا، مما يضعف نفوذها الإقليمي، بينما تحتاج دمشق إلى دعم دولي لتثبيت سلطتها وإعادة الإعمار.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *