ماذا حدث؟
يسود طرابلس هدوء حذر، أشبه بصمت ما قبل العاصفة، وسط ترقب لانفجار جديد يُعيد الاشتباكات للواجهة، في مدينة أنهكها القتال، وتعيش بين قرارات مؤجلة، ومليشيات منفلتة، وشارع فاقد للثقة.
خلف الهدوء.. نذر مواجهة
الهدوء النسبي في طرابلس لا يخفي بقاء خطر الاشتباك قائمًا، فالقوات المتقاتلة لا تزال متمركزة على خطوط تماس متقابلة.
واندلعت المواجهات الأخيرة الأحد الماضي، عقب دخول قوة تابعة لحكومة الدبيبة منطقة قريبة من تمركزات “جهاز الردع”، لتتحول الأحياء الهادئة إلى ساحات قتال امتدت من طريق “الطبي” حتى “جزيرة الفرناج”.
طرابلس تشتعل
مشاهد الرعب التي وثقها السكان كشفت جانبًا مأساويًا، بعدما وصلت نيران الاشتباكات إلى “مقبرة سيدي منيدر”، وسط صرخات ومناشدات لإطفاء الحريق.
استخدمت أسلحة خفيفة ومتوسطة، وانتشرت المدرعات وسُدّت الطرق، في مشهد أعاد للأذهان أجواء الحرب التي خفتت مؤخرًا.
الهدنة على الورق
ورغم إعلان وقف إطلاق النار، يواجه تنفيذه صعوبات كبيرة، بحسب مصدر أمني، إذ لا تزال قوات مثل “اللواء 444″ و”اللواء 111” وقوة “الردع” متمركزة، وبعضها لم ينسحب.
ولم تُنفذ قرارات حكومية بحل تشكيلات داعمة لـ”الردع”، ما يكشف هشاشة السيطرة الرسمية.
الدبيبة يتوعد
وسط التوتر، صعّد الدبيبة خطابه متوعدًا باجتثاث المليشيات والفساد، ومؤكدًا سعيه لفرض سيطرة الدولة.
ودعا لدعم مشروع “ليبيا خالية من المليشيات”، بينما شكّل المجلس الرئاسي لجنتين، إحداهما للترتيبات الأمنية والأخرى لمراجعة أوضاع السجون.
اللافت غياب “جهاز الردع” عن لجنة الترتيبات، رغم دوره المحوري، ما يثير تساؤلات حول نوايا الطرفين وحدود التفاهم بينهما.
أممياً.. دعم مشروط
بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا رحّبت بتشكيل اللجنتين، وأكدت استعدادها لتقديم الدعم الفني، لكنها ربطت ذلك بالالتزام بالمعايير الدولية، ما يعكس حرص المجتمع الدولي على ضبط السلاح وحصر القوة في مؤسسات الدولة.
الشارع يغلي.. والغضب يتجاوز الولاءات
التصعيد الأخير تجاوز حدود الأجهزة الأمنية، وامتد إلى الشارع، حيث تظاهر مئات الليبيين أسبوعيًا مطالبين برحيل حكومة الدبيبة.
ورغم انطلاق معظمهم من “حي سوق الجمعة”، معقل قوة الردع، إلا أن الغضب يعكس إحباطًا عامًا من الفوضى. وفي المقابل، خرجت تظاهرات مؤيدة للدبيبة تطالب بحل المجموعات المسلحة وتجنب الحرب.
لماذا هذا مهم؟
ما حدث مؤخرًا في طرابلس ليس استثناءً، بل حلقة جديدة في صراع مستمر بين فصائل تتقاسم النفوذ.
فقد سبقت الاشتباكات مقتل عبد الغني الككلي “غنيوة”، قائد “جهاز دعم الاستقرار”، في عملية تبناها الدبيبة ووصفها بالناجحة.
وهذا الاغتيال فجّر موجة عنف جديدة، جعلت الهدنة المعلنة غطاء هشًا فوق قنبلة موقوتة.
ماذا بعد؟
قرار الدبيبة بحل التشكيلات المسلحة اعتبره البعض خطوة شجاعة طال انتظارها، بينما رآه آخرون مخاطرة كبرى وسط ولاءات متشابكة وسلاح منفلت.