ماذا حدث؟
تصاعد التوتر في إقليم تيغراي الإثيوبي بشكل خطير، مع تزايد المواجهات بين جناحين متناحرين داخل جبهة تحرير تيغراي، أحدهما بقيادة جيتاتشو ردا، رئيس الإدارة المؤقتة للإقليم، والآخر بقيادة دبراصيون جبراميكائيل، زعيم الجبهة.
اندلعت الأزمة بعدما أقدم جيتاتشو على إيقاف عدد من القادة العسكريين، متهمًا إياهم بزعزعة استقرار الإقليم، وهو ما قوبل برفض من الجبهة وقادتها العسكريين، الذين ردوا بالسيطرة على مؤسسات حكومية وإدارية، لتتحول الأزمة إلى مواجهات مسلحة.
الأحداث أخذت منحى أكثر تعقيدًا بعدما اتهم جيتاتشو خصومه بمحاولة تنفيذ انقلاب، تزامنًا مع تحركات عسكرية مريبة داخل الإقليم. كما أشار إلى تورط إريتريا في تأجيج النزاع، معتبرًا أن أسمرا تسعى لاستغلال الفوضى في تيغراي لمصلحتها الجيوسياسية، مما زاد من سخونة الأوضاع وأثار احتمالات اندلاع حرب إقليمية أوسع.
لماذا هذا مهم؟
إقليم تيغراي، الذي كان مسرحًا لحرب دامية بين 2020 و2022، لا يزال يعاني من تبعات النزاع، رغم اتفاق السلام الموقع في بريتوريا عام 2022، إلا أن هذا الاتفاق لم يُطبق بالكامل، حيث ما زالت قوات جبهة تحرير تيغراي تحتفظ بعناصرها المسلحة، مما يجعل احتمالات اندلاع مواجهات جديدة قائمة.
التوتر في تيغراي لا يقتصر على كونه نزاعًا داخليًا، بل يمتد ليشمل العلاقات المتوترة بين إثيوبيا وإريتريا.
تاريخيًا، كانت إريتريا وإثيوبيا على خلاف مستمر، وقد خاضتا حربًا شرسة بين عامي 1998 و2000. وبينما حاول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تحسين العلاقات مع إريتريا في 2018، إلا أن الأوضاع عادت للتأزم بعد اتفاق بريتوريا، حيث شعرت أسمرا بأنها تم تهميشها، رغم دعمها العسكري للحكومة الإثيوبية في حربها ضد تيغراي.
الخطورة تكمن في أن النزاع الحالي قد يتحول إلى شرارة لحرب إقليمية أوسع، خاصة مع التقارير التي تشير إلى استعدادات عسكرية في إريتريا، ومزاعم حول دعمها لفصائل معارضة داخل إثيوبيا.
إضافة إلى ذلك، فإن تأزم الأوضاع قد يؤثر على أمن البحر الأحمر، وهو ممر استراتيجي للتجارة الدولية، مما يجعل التداعيات تتجاوز حدود القرن الإفريقي لتشمل القوى الدولية الكبرى.
ماذا بعد؟
المشهد الحالي ينبئ بتطورات خطيرة، فمع تصاعد النزاع في تيغراي، واتهامات جيتاتشو لإريتريا بالسعي لاستغلال الأزمة، تتزايد المؤشرات على أن حربًا جديدة قد تكون وشيكة.
التصريحات الصادرة عن مسؤولين عسكريين إثيوبيين تؤكد أن الوضع قابل للانفجار في أي لحظة، في ظل التحركات العسكرية الجارية على الأرض.
إقليم تيغراي قد يصبح بؤرة لصراع إقليمي متعدد الأطراف، حيث يمكن أن يؤدي التدخل الإريتري المحتمل إلى رد فعل إثيوبي قوي، مما قد يجر السودان، وأطرافًا إقليمية أخرى إلى النزاع.
كما أن أي تصعيد سيؤثر مباشرة على الأمن في البحر الأحمر، مما سيدفع قوى دولية للتدخل، سواء عبر الوساطة السياسية أو حتى عبر دعم عسكري غير مباشر لأحد الأطراف.
الخيار الوحيد لتفادي السيناريو الأسوأ هو التدخل الدبلوماسي السريع من قبل الاتحاد الإفريقي والأطراف الدولية الفاعلة، للضغط من أجل تسوية سلمية ومنع انزلاق القرن الإفريقي إلى دوامة جديدة من العنف، ومع ذلك، فإن المؤشرات الحالية توحي بأن قرع طبول الحرب قد يكون أقوى من نداءات السلام، مما يجعل المنطقة على أعتاب مرحلة مضطربة جديدة قد تعيد رسم خارطة النفوذ في القرن الإفريقي.