صداقة بعد عدواة.. ما مستقبل العلاقات السورية الإسرائيلية؟

الجولان مقابل التطبيع.. إسرائيل تضع شروطها أمام سوريا

ماذا حدث؟

شهدت العلاقات السورية الإسرائيلية تحولاً جذرياً بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 وتولي أحمد الشرع السلطة، حيث انتقلت من عداء مطلق إلى تنسيق أمني سري ومفاوضات غير مباشرة.

أعلن الشرع في خطابه الأول التزامه بـ”سلام عادل مع إسرائيل”، مما فتح الباب للقاءات غير مسبوقة، بدءاً بلقاء في مايو 2025 في باكو بأذربيجان بين مسؤولين عسكريين إسرائيليين وسوريين بحضور تركي، ركز على ضبط الحدود ومنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله.

تلتها لقاءات في الرياض بين الشرع ودونالد ترامب، حيث دعا الأخير سوريا للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام مع وعد برفع العقوبات، ثم لقاء في باريس في أغسطس بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر لمناقشة الاستقرار في السويداء والجنوب السوري.

على المستوى الميداني، توغلت القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة بعد إعلان نتنياهو انهيار اتفاق فك الاشتباك 1974، وأقامت تسع قواعد عسكرية في ريف القنيطرة، بما في ذلك سيطرة على سد المنطرة في يناير 2025، مع غارات جوية مكثفة على مواقع إيرانية وحزب الله.

أكد الشرع في سبتمبر 2025 أن مفاوضات جارية لاتفاق أمني يشمل انسحاب إسرائيلي من المناطق المحتلة بعد السقوط، مع رعاية أمريكية محتملة في 25 سبتمبر.

لماذا هذا مهم؟

يُعد هذا التحول زلزالاً سياسياً يعيد رسم التحالفات الإقليمية، حيث كانت سوريا رأس حربة الصراع العربي-الإسرائيلي لعقود، لكن سقوط الأسد أتاح لإسرائيل استغلال الفراغ الأمني لتعزيز نفوذها في الجنوب السوري، مما يقلل التهديد الإيراني ويُعزز الأمن الحدودي.

أهميته تكمن في الانتقال من “جس النبض” إلى تفاهمات أمنية عملية، مدعومة بوسطاء إقليميين مع دور أمريكي يربط التطبيع برفع العقوبات، مما يُعيد سوريا إلى المحور السني ويُضعف نفوذ إيران وحزب الله.

ومع ذلك، يثير التوغل الإسرائيلي (303 كم² محتلة) وخلفية الشرع الجهادية (مرتبطة سابقاً بالقاعدة) شكوكاً حول الاستقرار، خاصة مع اضطرابات داخلية مثل اشتباكات السويداء في يوليو 2025، التي قتلت مئات وأدت إلى إعدامات ميدانية.

كما يُبرز ملف الجولان، المحتل منذ 1967 وضُم 1981، عقبة قانونية وشعبية، حيث يُعتبر “أرضاً محتلة” في سوريا و”نهائياً” في إسرائيل، مما يجعل أي تطبيع يتجاوز التنسيق الأمني المؤقت تحدياً للشرعية السورية والإقليمية.

ماذا بعد؟

مع اقتراب توقيع اتفاق أمني في سبتمبر 2025 برعاية أمريكية، يُتوقع انسحاب إسرائيلي جزئي من المناطق المحتلة بعد ديسمبر 2024، مقابل ضمانات سورية بمنع التهديدات الإيرانية ونزع سلاح الجنوب، مما قد يُمهد لعلاقات حسن جوار سرية.

ومع ذلك، يظل السلام الشامل بعيد المنال بسبب الجولان، الذي يشترط إسرائيل الاحتفاظ به، وقضايا داخلية مثل مقاومة الكوادر الجهادية في حكومة الشرع للتطبيع، بالإضافة إلى اضطرابات طائفية في السويداء والكردية في الشمال.

قد يستمر التنسيق الأمني مرحلياً لسنوات، مدعوماً بضغوط أمريكية وإقليمية، لكنه هشّ بسبب عدم الإجماع الوطني السوري والموقف الإيراني التصعيدي.

في النهاية، يُعتمد على استقرار الحكم الانتقالي السوري ومفاوضات نيويورك للشرع، لتحويل هذا التحول إلى إطار دائم يُنهي عقوداً من العداء، أو يعود إلى توترات جديدة إذا فشل في حل العقبات الأساسية.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *