ماذا حدث؟
في مشهد سياسي لافت، اختار الرئيس السوري أحمد الشرع أن يبدأ فصلًا جديدًا في علاقات بلاده الدولية من بوابة موسكو، الدولة التي طالما بنى زعامته كمعارض لنظام الأسد على سردية الصدام معها، ليبدو اليوم وكأنه يعيد تثبيت حكمه عبرها، مستندًا إلى مقولة أن الزمن كفيل بطيّ الخلافات القديمة.
الشرع يقطع الشك باليقين
الزيارة التي وُصفت بأنها الأهم منذ توليه منصبه، حملت في طياتها رسائل متعددة الاتجاهات، إذ بدا الشرع حاسمًا في موقفه حين أعلن التزام دمشق بكل الاتفاقيات الموقعة مع موسكو منذ الحقبة السوفيتية، في خطوة تعكس إدراكه لأهمية روسيا كشريك لا يمكن تجاوزه في سبيل استقرار الدولة السورية.
موسكو تؤكد دفء العلاقة مع دمشق
في المقابل، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن علاقة بلاده مع سوريا “هي علاقة مع الدولة أولًا، ومع الشعبين ثانيًا”، مشيرًا إلى عمق الروابط التاريخية التي جمعت الجانبين على مدى عقود.
وأسهم هذا الموقف في تسريع النقاشات التي تناولت قضايا استراتيجية عدة، من التعاون العسكري والعقود الدفاعية، إلى ملف إعادة الإعمار الذي ينتظر أن تلعب فيه موسكو دورًا محوريًا، بحسب ما عكسته الصور والتصريحات الصادرة من العاصمة الروسية.
لماذا هذا مهم؟
الملفات التي حملها الشرع إلى موسكو لم تكن أقل سخونة، إذ شملت مستقبل القاعدتين الروسيتين في طرطوس وحميميم، وإعادة تسليح الجيش السوري، إضافة إلى مطالبة دمشق بتسليم الرئيس السابق بشار الأسد، إلى جانب ملفات اقتصادية تتعلق بالاستثمار والطاقة.
وتأتي هذه الزيارة تتويجًا لمسار دبلوماسي مكثف بين البلدين، بدأ بزيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق، مرورًا باتصال هاتفي بين الرئيسين في فبراير الماضي، ثم زيارة وزيري الخارجية والدفاع السوريين إلى موسكو في يوليو، قبل أن تُختتم اليوم بلقاء مباشر بين الشرع وبوتين، في محطة يُعتقد أنها قد تعيد رسم ملامح العلاقة بين دمشق وموسكو.
إعادة تموضع أم تحول سياسي؟
يرى مراقبون أن زيارة الشرع تشكل اختبارًا حقيقيًا لمتانة الشراكة السورية-الروسية، خصوصًا في ظل مساعٍ من دمشق لتنويع علاقاتها والانفتاح على الغرب والخليج.
ماذا بعد؟
بين هذه الحسابات الدقيقة، لا تبدو الزيارة بروتوكولية بقدر ما هي خطوة مفصلية ستحدد وجهة السياسة السورية المقبلة، بين ثباتها في orbit موسكو أو انفتاحها على معادلات جديدة توازن بين الشرق والغرب.
وبهذا، تبدو الزيارة وكأنها بداية مرحلة جديدة في المشهد السوري، حيث يختبر الشرع قدرته على إدارة التوازنات الكبرى، بينما تراقب موسكو ما إذا كانت دمشق ما تزال الحليف الموثوق، أم أنها على وشك إعادة تموضعها في خريطة التحالفات الإقليمية والدولية.