ماذا حدث؟
في 18 نوفمبر 2025، استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض باحتفال غير مسبوق: سجادة حمراء، 21 طلصة مدفع، استعراض حرس الشرف، وحلقت مقاتلات أمريكية فوق رأسيهما.
خلال الزيارة أعلن ترامب شخصياً الموافقة على بيع 48 طائرة شبح من طراز أف-35 للسعودية، وهي أول مرة تبيع فيها واشنطن هذه الطائرة لدولة عربية، مما يُنهي حظرًا استمر عقودًا حفاظًا على التفوق الإسرائيلي.
كما كشف عن صفقات أخرى ضخمة تشمل بيع رقائق ذكاء اصطناعي متقدمة، اتفاق تعاون نووي مدني، واستثمارات سعودية في أمريكا تبدأ بـ600 مليار دولار وقد ترتفع إلى تريليون دولار.
وأشار ترامب إلى أمر تنفيذي قادم يوفر ضمانات أمنية للسعودية مشابهة لما حصلت عليه قطر، مع تعزيز التعاون في المعادن الحرجة والذكاء الاصطناعي.
لماذا هذا مهم؟
تُمثل الصفقة تحولًا استراتيجيًا عميقًا في الشرق الأوسط. بيع أف-35 للسعودية يُنهي فعليًا مفهوم “التفوق العسكري النوعي” الإسرائيلي كما عُرف تاريخيًا، ويضع الرياض على قدم المساواة تقريبًا مع تل أبيب في القوة الجوية.
فتح باب بيع الرقائق المتقدمة والتعاون النووي المدني يُدخل السعودية نادي الدول الكبرى في الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية، ويُسرّع تنفيذ رؤية 2030 للتحول من اقتصاد نفطي إلى تكنولوجي.
الاستثمارات الضخمة في أمريكا تُلبي حاجة ترامب لإظهار انتصارات اقتصادية سريعة في ولايته الثانية، بينما تُبعد الرياض عن فلك الصين التي كانت تُغريها بعروض مشابهة.
الضمانات الأمنية، وإن لم تصل إلى معاهدة كاملة، تُعيد ترميم الثقة بين البلدين، وتُعزز موقع السعودية كشريك أساسي في مواجهة إيران. أما غياب تقدم واضح في التطبيع مع إسرائيل، فيُظهر أن الرياض لا تزال تُمسك بالورقة الفلسطينية كشرط أساسي، رغم الضغط الأمريكي الهائل.
ماذا بعد؟
خلال الأسابيع القادمة سيوقّع ترامب الأمر التنفيذي بالضمانات الأمنية، وتبدأ الإجراءات التنفيذية لبيع أف-35 (قد تستغرق سنوات للتسليم الكامل)، مع إعلان أول دفعة من استثمارات الـ600 مليار دولار في مشاريع بنية تحتية وتكنولوجيا أمريكية.
في 2026 ستُعلن تفاصيل الاتفاق النووي المدني، وربما تبدأ السعودية تشييد مفاعلات بمساعدة أمريكية مباشرة.
على الجانب الإقليمي، ستحاول واشنطن استغلال الدفء السعودي-الأمريكي للضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات فلسطينية تُمهد لتطبيع سعودي-إسرائيلي بحلول 2027، لكن الرياض ستواصل ربط الأمر بمسار حقيقي للدولة الفلسطينية.
في النهاية، خرجت السعودية من الزيارة قوة إقليمية تكنولوجية وعسكرية من الطراز الأول، وأعادت أمريكا ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط حول محور سعودي بدلاً من الإسرائيلي فقط، مما يُنذر بعصر جيوسياسي جديد تمامًا في المنطقة.