خاص| إصلاحات أبو مازن.. خطوة نحو الوحدة الفلسطينية أم محاولة لاستعادة الشرعية؟

محمود عباس أبو مازن

ماذا حدث؟

تشهد الساحة الفلسطينية هذه الأيام تحركات غير معتادة من قبل الرئيس محمود عباس أبو مازن، المعروف عنه التريث المفرط في اتخاذ القرارات المصيرية، خصوصًا في الداخل الفلسطيني.

عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية جلسته في 23 أبريل بمدينة رام الله، لمناقشة ملامح ما يصفه البعض بـ”حزمة إصلاحات استثنائية”، في محاولة لإعادة ترتيب البيت الداخلي للسلطة الفلسطينية.

يأتي ذلك وسط أجواء مشحونة بالضغوط الدولية والإقليمية، وتطلعات متنامية لمرحلة ما بعد الحرب على غزة.

من أبرز الخطوات المطروحة على المجلس: استحداث منصب نائب لرئيس السلطة الفلسطينية، ورغم عدم وضوح ما إذا كان المجلس سيكتفي بإقرار المنصب فقط أو سيبدأ فعليًا بآلية ترشيح شاغله، إلا أن مجرد طرح الفكرة أثار الكثير من الجدل، خاصة في ظل التكهنات التي تحيط بالاسم الأوفر حظًا للمنصب، حسين الشيخ، الذي يمارس فعليًا أدوارًا تنفيذية رفيعة منذ سنوات.

ولم تكن هذه الخطوة منفردة، ففي مارس الماضي، خلال قمة جامعة الدول العربية، أعلن عباس عفوًا عن أعضاء سابقين في حركة فتح تم فصلهم في وقت سابق، ومن بينهم محمد دحلان، في خطوة رأى فيها البعض محاولة لكسب دعم بعض الدول العربية التي كانت تضغط لإعادة دحلان إلى الساحة السياسية.

أما على الصعيد الإداري، فقد بدأت السلطة الفلسطينية منذ مطلع العام الماضي في تنفيذ تعديلات هيكلية، كان أبرزها تعيين الاقتصادي محمد مصطفى رئيسًا للوزراء، في إطار استجابة شكلية على الأقل للمطالب الأمريكية بإعادة تفعيل مؤسسات الحكم في الضفة الغربية، وربما غزة مستقبلًا.

كما تم استبدال قيادات عليا في الأجهزة الأمنية، من بينهم نضال أبو دخان، ضمن حملة شاملة لتجديد الدماء في القطاع الأمني، وشملت الإقالات عددًا كبيرًا من كبار الضباط.

ومن بين أبرز التعديلات، إعادة النظر في آلية صرف مخصصات أسر الأسرى الفلسطينيين، بحيث تُربط بالاحتياج الاقتصادي لا بمدة الحكم، وتأتي هذه الخطوة، التي أقرها مرسوم في فبراير، استجابة للانتقادات الدولية بشأن ما يُعرف بسياسة “الدفع مقابل القتل”.

لماذا هذا مهم؟

وفقًا لتحليل نعومي نيومان، الزميلة الزائرة في معهد واشنطن والخبيرة السابقة في جهاز الأمن الإسرائيلي “الشاباك”، فإن هذه الإصلاحات لا تعكس بالضرورة تحولًا حقيقيًا في رؤية عباس للسلطة أو لحركة فتح، بل إنها أقرب إلى محاولة للمناورة السياسية، تضمن له الحفاظ على مركزية سلطته مع تقديم إشارات استرضائية للجهات المانحة والحلفاء الإقليميين.

المنصب المستحدث لنائب الرئيس، رغم أنه يبدو من الخارج بمثابة خطوة نحو تنظيم آلية الخلافة، إلا أنه خالٍ من الصلاحيات الفعلية، ما يجعله مجرد واجهة شكلية.

أما حسين الشيخ، المرشح الأبرز للمنصب، فهو يمارس بالفعل دور النائب بشكل غير رسمي منذ توليه أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

الخطورة هنا، بحسب نيومان، تكمن في أن هذه الإصلاحات، رغم كثافتها الشكلية، قد تُفضي إلى تكريس الوضع الراهن بدلاً من تغييره، فالتعديلات الأمنية تعزز من نفوذ الحرس الرئاسي، أكثر الكيانات ولاء لعباس، فيما يُحتمل أن يُنقل ماجد فرج، رئيس المخابرات العامة، إلى منصب سياسي داخل فتح أو المنظمة، تمهيدًا لاستخدامه كورقة توافقية في مرحلة ما بعد الحرب.

أما على صعيد التمويل الخارجي، فإن الاتحاد الأوروبي أعلن عن حزمة مساعدات مشروطة بقيمة 1.6 مليار يورو، يمتد صرفها على مدى ثلاث سنوات، شريطة أن تلتزم السلطة بمسار إصلاحي.

المملكة العربية السعودية، من جانبها، ربطت استمرار مساعداتها الشهرية للسلطة بموافقة عباس على تعيين نائب له، بل إن إعادة التواصل مع دحلان، لا يمكن فهمها خارج هذا السياق الإقليمي الحرج.

وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شدد في مكالمته الأخيرة مع عباس على أن الإصلاحات ضرورية لاعتبار السلطة الفلسطينية شريكًا حقيقيًا في غزة، إلا أن الشكوك لا تزال تحيط بنيّة المجتمع الدولي في تمكين السلطة فعليًا من لعب هذا الدور، لا سيما في ظل تحفظات إسرائيلية وأمريكية.

ماذا بعد؟

يرى المحلل السياسي الدكتور عمرو الهلالي أن هذه التحركات، وإن جاءت متأخرة، فإنها ضرورية كخطوة أولى نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية، التي بات غيابها يمثل عقبة رئيسية أمام أي تقدم في مسار التسوية.

ويوضح الهلالي، في تصريح خاص لـ”بريفلكس”، أن الانقسام بين فتح وحماس أضعف القضية الفلسطينية، وأفقد الطرفين القدرة على التفاوض بشكل موحد مع إسرائيل أو المجتمع الدولي.

ويضيف الهلالي: “منذ أحداث الانقسام عام 2007، أصبحت غزة تُدار ككيان شبه مستقل من قبل حماس، بينما بقيت الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة بقيادة أبو مازن. هذا الانفصال الجغرافي والسياسي خلق بيئة مواتية لإسرائيل لتبرير تجاهلها لحماس، ورفضها أي حل شامل مع الفلسطينيين بحجة غياب طرف موحد”.

ومع تواتر الأنباء حول قرب التوصل إلى هدنة جديدة في غزة، تتعاظم أهمية هذه الإصلاحات، فعباس يسعى لتقديم السلطة كخيار شرعي وواقعي لإدارة القطاع بعد الحرب، في حال تم استبعاد حماس من المشهد، التي اعتبرها الهلالي “خرجت من التاريخ بعد اغتيال قادتها، وأصبح دورها دعائيًا يركز على مراسم تسليم الأسرى”.

وفي ظل الانهيار الاقتصادي في الضفة الغربية، الذي وصل إلى تراجع في الناتج المحلي بنسبة تقارب 30%، ومع عدم قدرة السلطة على دفع أكثر من 40% من رواتب موظفيها، فإن التحرك السريع بات ضرورة لا ترفًا، وخصوصًا مع اقتراب عقد مؤتمر دولي كبير في نيويورك تحت رعاية الأمم المتحدة، وبمبادرة من السعودية وفرنسا، لإحياء عملية السلام.

ورغم ما قد يبدو من سطحية أو تكتيكية في هذه الإصلاحات، إلا أن المحصلة النهائية ستتوقف على مدى قدرتها على تعزيز شرعية السلطة، وتخفيف الاحتقان الداخلي، وإعادة توازنها في المشهد السياسي، خاصة في مرحلة حرجة تتطلب الحد الأدنى من الإجماع الوطني الفلسطيني لمواجهة تحديات ما بعد الحرب، حيث يرى الهلالي أن الحل لهذه الأزمة هو “بسط سيطرة السلطة المعترف بها دوليا وهي حكومة أبو مازن على الأرض في غزة والحديث عن خروج حماس من المعادلة”.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *