ماذا حدث؟
غادر رئيس الحكومة اللبنانية المكلف، نواف سلام، القصر الرئاسي في بعبدا يوم الخميس الماضي دون الإدلاء بأي تصريح، بعد اجتماع مع الرئيس جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
كان الاجتماع يهدف إلى حل أزمة اختيار الوزير الشيعي الخامس في الحكومة الجديدة، إلا أن الخلافات حالت دون التوصل إلى اتفاق، حيث اقترح بري اسم عبد الرضى ناصر لشغل المنصب، بينما أصر سلام على تسمية لميا مبيض.
هذا الخلاف يعكس الصراع الدائر بين الأطراف السياسية حول توزيع الحقائب الوزارية، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة لتشكيل حكومة ملتزمة بالإصلاحات وتقليل نفوذ حزب الله.
لماذا هذا مهم؟
تشكيل الحكومة اللبنانية ليس مجرد عملية روتينية، بل هو اختبار حقيقي لمدى قدرة اللبنانيين على تجاوز الانقسامات الطائفية التي طالما حكمت البلاد منذ اتفاق الطائف.
أزمة الوزير الشيعي الخامس ليست مجرد خلاف حول اسم، بل هي انعكاس لصراع أعمق بين القوى السياسية في لبنان، وقد تكون هذه الأزمة فرصة لبدء فصل جديد في تاريخ لبنان، حيث تبدأ الدولة في التحرر من قيود التقسيم الطائفي وتتحول نحو نظام يعتمد على الكفاءة والمواطنة بدلًا من الدين والطائفة.
المحلل السياسي الدكتور عمرو الهلالي يرى أن لبنان تحاول التخلص من نظام التقسيم الطائفي الذي أصبح عبئًا على نموها السياسي والاقتصادي.
بحسب الهلالي، فإن هذه الأزمة تأتي بعد أزمة التوافق على اختيار الرئيس بعد فراغ دام عامين كامليين ونتيجة الضغط الذي يمارسه المكون الشيعي في النسيج اللبناني حركتي حزب الله وأمل وهما يقاومان مشهد إخراجهما من المشهد الذي سببه هزيمة حزب الله في حربه الأخيرة مع إسرائيل.
ويؤكد الهلالي أن حزب الله يجد نفسه في مأزق جديد لإثبات الوجود واستمرار التأثير في اختيار وزراء حكومة سلام الجديدة، بتصميمها علي استمرار التقسيم الطاىفي لها عبر اختيار خمس وزراء يمثلون الكتلة الشيعية وذلك لاستمرار وجود تأثير لها في قرارات الحكومة القادمة وعدم الاعتراف بالهزيمة أو ضعف موقفها التفاوضي على الأقل في الأرض، بينما يحاول سلام استغلال فرصة ما حدث على الأرض بإرساء قواعد جديدة لاختيار الوزراء بعيدا عن هذا التقسيم.
ويوضخ الهلالي أن هناك عدة أسباب تدفع سلام لذلك ومن أهمها القبول العربي والدولي لهذه الحكومة التي من المفترض أنها ستكون حكومة انقاذ اقتصادي للبنان الذي يعتمد على الاعانات الخارجية وخاصة الخليجية والدولية، والتي يهدد تدفقها استمرار سيطرة المكون الشيعي.
ماذا بعد؟
في ظل هذه الظروف، يبدو أن التوافق على تشكيل الحكومة لن يتحقق دون تنازلات من جميع الأطراف.
حزب الله وحركة أمل، اللذان يمثلان المكون الشيعي، يصران على الحفاظ على نفوذهما في الحكومة، خاصة بعد الهزائم التي مُني بها حزب الله مؤخرًا.
من جهة أخرى، يسعى نواف سلام إلى تشكيل حكومة تتمتع بقبول عربي ودولي، مما يتطلب تقليل نفوذ المكون الشيعي.
الهلالي يرى أن التوافق في النهاية سيحدث، لكنه سيكون محصلة لتنازلات غير معلنة من جميع الأطراف، لأن لبنان، الذي يمكنه العيش لفترة دون رئيس، لا يستطيع الاستمرار طويلًا دون حكومة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تهدد استقراره.